للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ، قَالَ: أُولئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، آمَنَتِ الْيَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ وَمُوسَى وَكَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى، وَآمَنَتِ النَّصَارَى بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى وَكَفَرُوا بِالْقُرْآنِ وَمُحَمَّدٍ، اتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ وَهُمَا بِدْعَتَانِ لَيْسَتَا مِنَ اللَّهِ وَتَرَكُوا الْإِسْلَامَ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ وَابْنُ جُرَيْجٍ نَحْوَهُ.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٩ الى ١٥٣]

قوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ هُمُ الْيَهُودُ، سَأَلُوهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَرْقَى إِلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يَرَوْنَهُ، فَيُنْزِلُ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مَكْتُوبًا فِيمَا يَدَّعِيهِ، يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، كَمَا أَتَى مُوسَى التوراة، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ، أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ، فَأَخْبَرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا مُوسَى سُؤَالًا أَكْبَرَ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ، فَقَالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أَيْ:

عِيَانًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي الْبَقَرَةِ، وجهرة: نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: رُؤْيَةً جَهْرَةً. وَقَوْلُهُ: فَقَدْ سَأَلُوا جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: إِنِ اسْتَكْبَرْتَ هَذَا السُّؤَالَ مِنْهُمْ لَكَ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ هِيَ: النَّارُ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَتْهُمْ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ:

بِظُلْمِهِمْ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ فِي سُؤَالِهِمُ الْبَاطِلِ، لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ عِيَانًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ. وَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ غَلَّطَ غِلَطًا بَيِّنًا ثُمَّ لَمْ يَكْتَفُوا بِهَذَا السُّؤَالِ الْبَاطِلِ الَّذِي نَشَأَ مِنْهُمْ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ بَعْدَ مَا رَأَوُا الْمُعْجِزَاتِ، بَلْ ضَمُّوا إِلَيْهِ مَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهُ، وَهُوَ عِبَادَةُ الْعِجْلِ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ: فَأَحْيَيْنَاهُمْ فَاتَّخَذُوا الْعِجْلَ. وَالْبَيِّنَاتُ: الْبَرَاهِينُ وَالدَّلَائِلُ، وَالْمُعْجِزَاتُ مِنَ الْيَدِ وَالْعَصَا وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ أَيْ: عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مَنِ التَّعَنُّتِ وَعِبَادَةِ الْعِجْلِ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً أَيْ: حُجَّةً بَيِّنَةً، وَهِيَ: الْآيَاتُ الَّتِي جَاءَ بِهَا، وَسُمِّيَتْ: سُلْطَانًا، لِأَنَّ مَنْ جَاءَ بِهَا قَهَرَ خَصْمَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ تَوْبَةً عَنْ مَعْصِيَتِهِمْ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ السُّلْطَانِ الَّذِي قَهَرَهُمْ بِهِ وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ أَيْ: بِسَبَبِ مِيثَاقِهِمْ لِيُعْطُوهُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمُ امْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِ شَرِيعَةِ مُوسَى فَرَفَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطور فقبلوها

<<  <  ج: ص:  >  >>