[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ الى ٣١]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩)
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)
سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ ينزل على رسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ سُورَةً يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِقِتَالِ الْكُفَّارِ حِرْصًا مِنْهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَنَيْلِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، فَحَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ أَيْ: هَلَّا نُزِّلَتْ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ أَيْ: غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ أَيْ: فُرِضَ الْجِهَادُ. قَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ سُورَةٍ ذُكِرَ فِيهَا الْجِهَادُ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهِيَ أَشَدُّ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْدَثَةٌ» أَيْ: مُحْدَثَةُ النُّزُولِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَإِذا أُنْزِلَتْ وَذُكِرَ عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ عُمَيْرٍ «نَزَلَتْ» «وَذُكِرَ» عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْفَاعِلِ وَنَصْبِ الْقِتَالِ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ: شَكٌّ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أَيْ: يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ مَنْ شَخَصَ بَصَرُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِجُبْنِهِمْ عَنِ الْقِتَالِ وَمَيْلِهِمْ إِلَى الْكُفَّارِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجُ: يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَشْخَصُونَ نَحْوَكَ بِأَبْصَارِهِمْ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرًا شَدِيدًا، كَمَا يَنْظُرُ الشَّاخِصُ بَصَرُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ: أَوْلَى لَكَ، تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي التَّهْدِيدِ: أَوْلَى لَكَ، أَيْ: وَلِيَكَ وَقَارَبَكَ مَا تَكْرَهُ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَعَادَى بَيْنَ هَادِيَتَيْنِ مِنْهَا ... وَأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ
أَيْ: قَارَبَ أَنْ يَزِيدَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَلَمْ يقل (أحد) «١» فِي أَوْلَى أَحْسَنَ مِمَّا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ. وَقَالَ المبرّد:
يقال لمن همّ بالعطب ثم أفلت: أولى لك أي: قاربت العطب. وقال الجرجاني: هو مأخوذ من الويل
(١) . من تفسير القرطبي (١٦/ ٢٤٤) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute