للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِهِ: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قَالَ: حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُصْلِحُ بِصَلَاحِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَأَهْلَ دُوَيْرَتِهِ وَأَهْلَ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مَا دَامَ فِيهِمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِصَلَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَيَحْفَظُهُ فِي دُوَيْرَتِهِ، وَالدُّوَيْرَاتِ حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي سِتْرٍ مِنَ اللَّهِ وَعَافِيَةٍ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ نَسْمَعْ لِفَتَى مُوسَى بِذِكْرٍ وَقَدْ كَانَ مَعَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال: إِنَّهُ شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ فَخُلِّدَ، فَأَخَذَهُ الْعَالِمُ فَطَابَقَ بِهِ سَفِينَةً ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهَا لَتَمُوجُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، الْحَسَنُ مَتْرُوكٌ، وأبوه غير معروف.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٣ الى ٩١]

وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧)

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١)

لَمَّا أَجَابَ سُبْحَانَهُ عَنْ سُؤَالَيْنِ مِنْ سُؤَالَاتِ الْيَهُودِ، وَانْتَهَى الْكَلَامُ إِلَى حَيْثُ انْتَهَى شَرْعَ سُبْحَانَهُ فِي السُّؤَالِ الثَّالِثِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ، فَالْمُرَادُ بِالسَّائِلِينَ هُنَا هُمُ الْيَهُودُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقِيلَ: هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فِيلْقُوسَ الَّذِي مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا الْيُونَانِيُّ بَانِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مصر، اسمه مرزبان بن مردبة الْيُونَانِيُّ، مِنْ وَلَدِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. وَقِيلَ: هُوَ مَلِكٌ اسْمُهُ هُرْمُسُ، وَقِيلَ: مَلِكٌ اسْمُهُ هَرْدِيسُ، وَقِيلَ: شَابٌ مِنَ الرُّومِ، وَقِيلَ: كَانَ نَبِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ عَبْدًا صَالِحًا، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَقِيلَ: مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ أَوْلَادِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ السُّهَيْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عِلْمِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْآخَرُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقِيلَ: هُوَ أَبُو كَرِبٍ الْحِمْيَرِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَرَجَّحَ الرَّازِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، قَالَ: لِأَنَّ مَنْ بَلَغَ مُلْكُهُ مِنَ السِّعَةِ وَالْقُوَّةِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا التَّنْزِيلُ إِنَّمَا هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ الْيُونَانِيُّ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ كُتُبُ التَّارِيخِ، قَالَ:

فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ، قَالَ: وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ كَانَ تِلْمِيذًا لِأَرِسْطَاطَالِيسَ الْحَكِيمِ، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَتَعْظِيمُ اللَّهِ إِيَّاهُ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِأَنَّ مَذْهَبَ أَرِسْطَاطَالِيسَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.

قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: قُلْتُ: لَيْسَ كُلُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفَلَاسِفَةُ بَاطِلًا فَلَعَلَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ مَا صَفَا وَتَرَكَ مَا كَدُرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَجَّحَ ابْنُ كَثِيرٍ مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُمَا اثْنَانِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ مَا بَنَاهُ وَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وَكَانَ وَزِيرَهُ الْخَضِرُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الْإِسْكَنْدَرُ الْمَقْدُونِيُّ الْيُونَانِيُّ، وَكَانَ وزيره

<<  <  ج: ص:  >  >>