للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَانْتِصَابُ «كُلًّا» عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِجَعَلْنَا، قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلتَّخْصِيصِ، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ عَدَاهُمْ، أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَعَلْنَا نَبِيًّا، لَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا بِأَنْ جَعَلْنَاهُمْ أَنْبِيَاءَ، وَذَكَرَ هَذَا بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِجَعْلِهِمْ أَنْبِيَاءَ لِبَيَانِ أَنَّ النُّبُوَّةَ هِيَ مِنْ بَابِ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ هُنَا الْمَالُ، وَقِيلَ: الْأَوْلَادُ، وَقِيلَ: الْكِتَابُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَهَا جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا لِسَانُ الصِّدْقِ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، عَبَّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ لِكَوْنِهِ يُوجَدُ بِهِ «١» ، كَمَا عَبَّرَ بِالْيَدِ عَنِ الْعَطِيَّةِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الصِّدْقِ وَوَصْفُهُ بِالْعُلُوِّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِمَا يُقَالُ فِيهِمْ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى أَلْسُنِ الْعِبَادِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن ابن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَأَرْجُمَنَّكَ قَالَ: لَأَشْتُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ: حِينًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ: اجْتَنِبْنِي سَوِيًّا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: اجْتَنِبْنِي سَالِمًا قَبْلَ أَنْ تُصِيبَكَ مِنِّي عُقُوبَةٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ مَلِيًّا: دَهْرًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَالِمًا.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا قَالَ: لَطِيفًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ قَالَ: يَقُولُ وهبنا له إسحاق ولدا «٢» وَيَعْقُوبَ ابْنَ ابْنِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ:

وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا قَالَ: الثناء الحسن.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥١ الى ٦٣]

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥)

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠)

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)

قَفَّى سُبْحَانَهُ قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ بِقِصَّةِ مُوسَى لِأَنَّهُ تِلْوُهُ فِي الشَّرَفِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ لِئَلَّا يَفْصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِكْرِ يَعْقُوبَ، أَيْ: وَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ قِصَّةَ مُوسَى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً قَرَأَ أهل الكوفة بفتح اللام،


(١) . أي الثناء الحسن.
(٢) . من الدر المنثور (٥/ ٥١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>