مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَلَا بَأْسَ عَلَى الرَّسُولِ، وَجُمْلَةُ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا تَعْلِيلٌ لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ، ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ فَقَالَ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ أَيْ: هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعُبُودِيَّةِ دون غيره، فوحّده وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ: يُفَوِّضُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ وَيَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ، لَا عَلَى غَيْرِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي زَعَمُوا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَ زَعَمُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَوْمُ التَّغَابُنِ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ قَالَ: غَبَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ قَالَ: هِيَ الْمُصِيبَاتُ تُصِيبُ الرَّجُلَ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيُسَلِّمُ لَهَا وَيَرْضَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَهْدِ قَلْبَهُ قَالَ: يَعْنِي يَهْدِ قَلْبَهُ لِلْيَقِينِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه.
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١٤ الى ١٨]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ يَعْنِي أَنَّهُمْ يُعَادُونَكُمْ وَيَشْغَلُونَكُمْ عَنِ الْخَيْرِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سَبَبُ النُّزُولِ دُخُولًا أَوَلِيًّا، وَهُوَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَأَرَادُوا أَنْ يُهَاجِرُوا، فَلَمْ يَدَعْهُمْ أَزْوَاجُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَحْذَرُوهُمْ فَلَا يُطِيعُوهُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُرِيدُونَهُ مِنْهُمْ مِمَّا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، وَالضَّمِيرُ فِي فَاحْذَرُوهُمْ يَعُودُ إِلَى الْعَدُوِّ، أَوْ إِلَى الْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ، لَكِنْ لَا عَلَى الْعُمُومِ، بَلْ إِلَى الْمُتَّصِفِينَ بِالْعَدَاوَةِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا جَازَ جَمْعُ الضَّمِيرِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ. ثُمَّ أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ إِلَى التَّجَاوُزِ فَقَالَ: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا أَيْ:
تَعْفُوا عَنْ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا، وَتَتْرُكُوا التَّثْرِيبَ عَلَيْهَا، وَتَسْتُرُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم، قيل: كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي ثَبَّطَهُ أَزْوَاجُهُ وَأَوْلَادُهُ عَنِ الْهِجْرَةِ إِذَا رَأَى النَّاسَ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَيْهَا، وَفَقِهُوا فِي الدِّينِ، هَمَّ أَنْ يُعَاقِبَ أَزْوَاجَهُ وَأَوْلَادَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِنْ تَعْفُوا الْآيَةَ، وَالْآيَةُ تَعُمُّ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا كَمَا عَرَّفْنَاكَ غَيْرَ مَرَّةٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَاللَّهِ مَا عَادَوْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ حَمَلَتْهُمْ مَوَدَّتُهُمْ عَلَى أَنِ أخذوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَأَعْطَوْهُمْ إِيَّاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute