[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٠ الى ٢٦]
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦)
شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي تَحْقِيقِ كَوْنِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: كَمَنْ لَا يَخْلُقُ عَاجِزَةً عَلَى أَنْ يَصْدُرَ مِنْهَا خَلْقُ شَيْءٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ عِبَادَةً فَقَالَ: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيِ: الْآلِهَةَ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ الْكُفَّارُ مَنْ دُونِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ صِفَتُهُمْ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ، وَهِيَ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ أَصْلًا لَا كَبِيرًا وَلَا صَغِيرًا، وَلَا جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَيْ: وَصِفَتُهُمْ أَنَّهُمْ يُخْلَقُونَ، فَكَيْفَ يَتَمَكَّنُ الْمَخْلُوقُ مِنْ أَنْ يَخْلُقَ غَيْرَهُ؟ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُمْ صِفَةَ النُّقْصَانِ بَعْدَ أَنْ سَلَبَ عَنْهُمْ صِفَةَ الْكَمَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ سَلْبِ صِفَةِ الْكَمَالِ. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ مُطَابَقَةً لِمَا قَبْلَهُ. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَرَوَى هُبَيْرَةُ عَنْ حَفْصٍ «يَدْعُونَ» بِالتَّحْتِيَّةِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ، ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةً أُخْرَى مِنْ صِفَاتِهِمْ فَقَالَ: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ أَجْسَادُهَا مَيِّتَةٌ لَا حَيَاةَ بِهَا أَصْلًا، فَزِيَادَةُ «غَيْرُ أَحْياءٍ» لِبَيَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَبَعْضِ الْأَجْسَادِ الَّتِي تَمُوتُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَيَاةِ لَهَا بَلْ لَا حَيَاةَ لِهَذِهِ أَصْلًا، فَكَيْفَ يَعْبُدُونَهَا وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهَا؟
لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ الضَّمِيرُ فِي يَشْعُرُونَ لِلْآلِهَةِ، وَفِي يُبْعَثُونَ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَالْمَعْنَى: مَا تَشْعُرُ هَذِهِ الْجَمَادَاتُ مِنَ الْأَصْنَامِ أَيَّانَ يُبْعَثُ عَبَدَتُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَيَكُونُ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ لِأَنَّ شُعُورَ الْجَمَادِ مُسْتَحِيلٌ بِمَا هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ فَضْلًا عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي يُبْعَثُونَ لِلْآلِهَةِ، أَيْ: وَمَا تَشْعُرُ هَذِهِ الْأَصْنَامُ أَيَّانَ تُبْعَثُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَصْنَامَ وَيَخْلُقُ لَهَا أَرْوَاحًا مَعَهَا شَيَاطِينُهَا فَيُؤْمَرُ بِالْكُلِّ إلى النار، ويدلّ على هذه قَوْلُهُ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ «١» ، وَقِيلَ قَدْ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَهُمْ يُخْلَقُونَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَوَصَفَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ غير أحياء وما يشعرون أبان يُبْعَثُونَ، فَيَكُونُ الضَّمِيرَانِ عَلَى هَذَا لِلْكُفَّارِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا لِلْأَصْنَامِ يَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَعْقِلُ بِمَا هُوَ لِلْعُقَلَاءِ جَرْيًا عَلَى اعْتِقَادِ مَنْ يَعْبُدُهَا بِأَنَّهَا تَعْقِلُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ «إِيَّانَ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وهما لغتان، وهو في
(١) . الأنبياء: ٩٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute