صلّى الله عليه وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. يَجْهَرُ بِذَلِكَ. وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا» لِأَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَفِي لَفْظٍ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ لَحْيَانَ وَرَعْلًا وَذَكْوَانَ وَعَصِيَّةَ، عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الآية.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)
قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قِيلَ: هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لِلتَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا ذُكِرَ وَقِيلَ: هُوَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ أَثْنَاءِ قِصَّةِ أُحُدٍ. وَقَوْلُهُ: أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَيْسَ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنَّهُ جِيءَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَادَةِ الَّتِي يَعْتَادُونَهَا فِي الرِّبَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُرْبُونَ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ زَادُوا فِي الْمَالِ مِقْدَارًا يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَزِيدُونَ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ، فَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُرْبِي أَضْعَافَ دَيْنِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَضْعَافًا: حَالٌ، وَمُضَاعَفَةً: نَعْتٌ لَهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَكْرَارِ التَّضْعِيفِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُفِيدُ تَأْكِيدَ التَّوْبِيخِ. قَوْلُهُ: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى تَجَنُّبِ مَا يَفْعَلُهُ الْكُفَّارُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ. قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ مَنِ اسْتَحَلَّ الرِّبَا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: اتَّقَوُا الرِّبَا الَّذِي يَنْزِعُ مِنْكُمُ الْإِيمَانَ، فَتَسْتَوْجِبُونَ النَّارَ. وَإِنَّمَا خَصَّ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لِأَنَّهُ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْحَرْبِ مِنْهُ لِفَاعِلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ حَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ، أَيْ: فِي كُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَيْ: رَاجِينَ الرَّحْمَةَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلُهُ: وَسارِعُوا عَطْفٌ عَلَى أَطِيعُوا، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ: سارِعُوا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَكَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: بِالْوَاوِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ سَائِغٌ مُسْتَقِيمٌ، وَالْمُسَارَعَةُ:
الْمُبَادَرَةُ، وَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ، أَيْ: سَارِعُوا إِلَى مَا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ مِنَ الطَّاعَاتِ. وَقَوْلُهُ: عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي: عرضها كعرض السموات وَالْأَرْضِ، وَمِثْلُهُ الْآيَةُ الْأُخْرَى: عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute