للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم لمعاذ: «اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ عِنْدَ مَنَامِكَ فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنَ الإشراك بالله؟ تقرؤون قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ عِنْدَ مَنَامِكُمْ» . وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ خَبَّابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَاقْرَأْ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْتِ فِرَاشَهُ قَطُّ إِلَّا قَرَأَ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ حَتَّى يَخْتِمَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بسورتين فلا حساب عليه قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» . وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَابْنُ الضُّرَيْسِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:

مَنْ قرأ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطَابَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الكافرون (١٠٩) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ (٤)

وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)

الألف واللام في يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لِلْجِنْسِ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتِ الْآيَةُ خِطَابًا لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى كُفْرِهِ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْعُمُومِ خُصُوصَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْكُفَّارِ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ أَسْلَمَ وَعَبَدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّ الْكُفَّارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ سَنَةً وَيَعْبُدُوا إِلَهَهُ سَنَةً، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أَيْ: لَا أَفْعَلُ مَا تَطْلُبُونَ مِنِّي مِنْ عِبَادَةِ مَا تَعْبُدُونَ مِنَ الأصنام، وقيل: وَالْمُرَادُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنَ الزَّمَانِ لِأَنَّ لَا النَّافِيَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا عَلَى الْمُضَارِعِ الَّذِي فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، كَمَا أَنَّ مَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى مُضَارِعٍ فِي مَعْنَى الْحَالِ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أَيْ: وَلَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَةِ إِلَهِي وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ أَيْ: وَلَا أَنَا قَطُّ فِيمَا سَلَفَ عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ فِيهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِنِّي ذَلِكَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أَيْ: وَمَا عَبَدْتُمْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مَا أَنَا عَلَى عِبَادَتِهِ، كذا قيل، وهذا على قول من قَالَ: إِنَّهُ لَا تَكْرَارَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى لِنَفْيِ الْعِبَادَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ «لَا» لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى مُضَارِعٍ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَنْ تَأْكِيدٌ لِمَا تَنْفِيهِ لَا. قَالَ الْخَلِيلُ فِي لَنْ: إِنَّ أَصْلَهُ لَا، فَالْمَعْنَى:

لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا أَطْلُبُهُ مِنْ عِبَادَةِ إِلَهِي. ثُمَّ قَالَ: وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ أَيْ: وَلَسْتُ فِي الحال بعباد مَعْبُودَكُمْ، وَلَا أَنْتُمْ فِي الْحَالِ بِعَابِدِينَ مَعْبُودِي. وَقِيلَ: بِعَكْسِ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لِلْحَالِ، وَالْجُمْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لِلِاسْتِقْبَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ كَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: أَنَا ضَارِبٌ زَيْدًا، وَأَنَا قَاتِلٌ عَمْرًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الِاسْتِقْبَالُ. قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى لَا أَعْبُدُ السَّاعَةَ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ السَّاعَةَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا عَبَدْتُمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>