اللَّهُ لِعَبْدٍ ضَلَالَةً، وَلَا أَمَرَهُ بِهَا، وَلَا دَعَا إِلَيْهَا، وَلَكِنْ رَضِيَ لَكُمْ طَاعَتَهُ، وَأَمَرَكُمْ بِهَا، وَنَهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ في الحليلة، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ قَالَ: ذَاكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَفِي لَفْظٍ:
نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
يَحْذَرُ الْآخِرَةَ يَقُولُ: يَحْذَرُ عَذَابَ الْآخِرَةِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ الَّذِي يَرْجُو وَأَمَّنَهُ الَّذِي يَخَافُ» أَخْرَجُوهُ مِنْ طَرِيقِ سَيَّارِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ١٣ الى ٢٠]
قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يَا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠)
قَوْلُهُ: قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي أَيْ: بِتَرْكِ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَتَوْحِيدِهِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى تَرْكِ الشِّرْكِ وَتَضْلِيلِ أَهْلِهِ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمَعْنَى إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بِإِجَابَةِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَا دَعَوْنِي إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو حَمْزَةَ الْيَمَانِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «١» وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، لِأَنَّ قَبْلَهُ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ فَالْمُرَادُ: عِصْيَانُ هَذَا الْأَمْرِ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ التَّقْدِيمُ مُشْعِرٌ بِالِاخْتِصَاصِ، أَيْ: لَا أَعْبُدُ غَيْرَهُ لَا اسْتِقْلَالًا، وَلَا عَلَى جِهَةِ الشَّرِكَةِ، وَمَعْنَى مُخْلِصاً لَهُ دِينِي أَنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ غَيْرُ مَشُوبٍ بِشِرْكٍ وَلَا رِيَاءٍ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. قَالَ الرَّازِيُّ: فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى التَّكْرِيرِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَقَوْلُهُ: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِتَكْرِيرٍ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ: إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ، وَالثَّانِي: إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ لَا يَعْبُدَ أَحَدًا غَيْرَ اللَّهِ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ مِنْ دُونِهِ هَذَا الْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالتَّقْرِيعِ
(١) . الفتح: ٢.