الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَحَسَّنَهُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وموتك عرفت أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نحوه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٦]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥)
الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)
قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَذَا خِطَابٌ لِخُلَّصِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمْرٌ لَهُمْ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ، وَالْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحَذَرُ وَالْحِذْرُ لُغَتَانِ، كَالْمَثَلِ وَالْمِثْلِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَكْثَرُ الْكَلَامِ الْحِذْرُ، وَالْحَذَرُ مَسْمُوعٌ أَيْضًا.
يُقَالُ: خُذْ حَذَرَكَ، أَيِ: احْذَرْ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ: الْأَمْرُ لَهُمْ بِأَخْذِ السِّلَاحِ حِذْرًا، لِأَنَّ بِهِ الْحِذْرَ. قَوْلُهُ:
فَانْفِرُوا نَفَرَ، يَنْفِرُ، بِكَسْرِ الْفَاءِ، نَفِيرًا، وَنَفَرَتِ الدَّابَّةُ، تَنْفُرُ، بِضَمِّ الْفَاءِ، نُفُورًا. وَالْمَعْنَى: انْهَضُوا لِقِتَالِ الْعَدُوِّ. أَوِ النَّفِيرُ: اسْمٌ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْفِرُونَ، وَأَصْلُهُ: مِنَ النِّفَارِ وَالنُّفُورِ، وَهُوَ الْفَزَعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى:
وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً «١» أَيْ: نَافِرِينَ. قَوْلُهُ: ثُباتٍ جَمْعُ ثُبَةٍ: أَيْ جَمَاعَةٍ، وَالْمَعْنَى: انْفِرُوا جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ. قَوْلُهُ: أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً أَيْ: مُجْتَمِعِينَ جَيْشًا وَاحِدًا. وَمَعْنَى الْآيَةِ: الْأَمْرُ لَهُمْ بِأَنْ يَنْفِرُوا عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَلِيَأْمَنُوا مِنْ أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ الْأَعْدَاءُ إِذَا نَفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَحْدَهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وبقوله: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا مُحْكَمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى نُفُورِ الْجَمِيعِ، وَالْأُخْرَى: عِنْدَ الِاكْتِفَاءِ بِنُفُورِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ التَّبْطِئَةُ وَالْإِبْطَاءُ: التَّأَخُّرُ، وَالْمُرَادُ: الْمُنَافِقُونَ كَانُوا يَقْعُدُونَ عَنِ الْخُرُوجِ وَيُقْعِدُونَ غَيْرَهُمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِنْ دُخَلَائِكُمْ وَجِنْسِكُمْ، وَمَنْ أَظْهَرَ إِيمَانَهُ لَكُمْ نِفَاقًا، مَنْ يُبَطِّئُ المؤمنين ويثبطهم. واللام في قوله: لَمَنْ
(١) . الإسراء: ٤٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute