لَا يَلْقَوْنَهُ وَلَا يَدَعُونَ أَحَدًا يَأْتِيهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: كُفَّارُ مَكَّةَ كَانُوا يَدْفَعُونَ النَّاسَ عَنْهُ وَلَا يُجِيبُونَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَنْهَوْنَ عَنِ الْقُرْآنِ وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ يَتَبَاعَدُونَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عُمُومَةِ النَّبِيِّ وَكَانُوا عَشْرَةً، فَكَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ مَعَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَأَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي السِّرِّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ بَدا لَهُمْ مَا كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ قَالَ: مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ يَقُولُ: وَلَوْ وَصَلَ اللَّهُ لَهُمْ دُنْيَا كَدُنْيَاهُمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا لَعَادُوا إِلَى أَعْمَالِهِمْ أَعْمَالِ السُّوءِ الَّتِي كَانُوا نُهُوا عَنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْهُدَى، فَقَالَ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ أَيْ وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى كَمَا حِيلَ بَيْنَهُمْ وبينه أوّل مرّة وهم في الدنيا.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣١ الى ٣٦]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يَا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)
قَوْلِهِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. وَالْمُرَادُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ:
تَكْذِيبُهُمْ بِالْبَعْثِ، وَقِيلَ: تَكْذِيبُهُمْ بِالْجَزَاءِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ قَالُوا قَرِيبًا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ «١» حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَيِ الْقِيَامَةُ، وَسُمِّيَتْ سَاعَةً لِسُرْعَةِ الْحِسَابِ فِيهَا.
وَمَعْنَى بَغْتَةً: فَجْأَةً، يُقَالُ: بَغَتَهُمُ الْأَمْرُ يَبْغَتُهُمْ بَغْتًا وَبَغْتَةً. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَهِيَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، قَالَ:
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ، فَلَا يقال جاء فلان سرعة، وحَتَّى غَايَةٌ لِلتَّكْذِيبِ لَا لِلْخُسْرَانِ، فَإِنَّهُ لَا غَايَةَ له قالُوا يا حَسْرَتَنا هَذَا جَوَابُ إِذَا جَاءَتْهُمْ، أَوْقَعُوا النِّدَاءَ عَلَى الْحَسْرَةِ، وَلَيْسَتْ بِمُنَادَى فِي الْحَقِيقَةِ، لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى كَثْرَةِ تَحَسُّرِهِمْ. وَالْمَعْنَى: يَا حَسْرَتَنَا احْضُرِي فَهَذَا أَوَانُكِ، كَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا النِّدَاءِ وَأَمْثَالِهِ كَقَوْلِهِمْ: يَا لِلْعَجَبِ، وَيَا لِلرَّجُلِ، وَقِيلَ: هُوَ تَنْبِيهٌ لِلنَّاسِ عَلَى عِظَمِ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْحَسْرَةِ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَنَبَّهُوا عَلَى عَظِيمِ مَا بِنَا مِنَ الْحَسْرَةِ، وَالْحَسْرَةُ: النَّدَمُ الشَّدِيدُ عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها أَيْ عَلَى تَفْرِيطِنَا فِي السَّاعَةِ: أَيْ فِي الِاعْتِدَادِ لَهَا، وَالِاحْتِفَالِ بِشَأْنِهَا، وَالتَّصْدِيقِ بها. ومعنى فرّطنا ضيعنا، وأصله
(١) . الأنعام: ٢٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute