للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصَبَ بِهِ الْأَعْدَاءَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تُشْمِتْ يَا رَبِّ بِيَ الْأَعْدَاءَ، وَمَا أَبْعَدَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عَنِ الصَّوَابِ، وَأَبْعَدَ تَأْوِيلَهَا عَنْ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. قَوْلُهُ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ: لَا تَجْعَلْنِي بِغَضَبِكَ عَلَيَّ فِي عِدَادِ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، يَعْنِي: الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ أَوْ لَا تَعْتَقِدْ أَنِّي مِنْهُمْ. قَوْلُهُ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَ مُوسَى بَعْدَ كَلَامِ هَارُونَ هَذَا؟ فَقِيلَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ لَهُ أَوَّلًا، وَلِأَخِيهِ ثَانِيًا لِيُزِيلَ عَنْ أَخِيهِ مَا خَافَهُ مِنَ الشَّمَاتَةِ، فَكَأَنَّهُ تَذَمَّمَ مِمَّا فَعَلَهُ بِأَخِيهِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَطَلَبَ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ مِمَّا فَرَطَ مِنْهُ فِي جَانِبِهِ، ثُمَّ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ إِنْ كَانَ قَدْ وقع منه تقصير فيما يجب عليهم مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَتَغْيِيرِ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ، ثُمَّ طَلَبَ إِدْخَالَهُ وَإِدْخَالَ أَخِيهِ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى الْآيَةَ، قَالَ: حِينَ دَفَنُوهَا أَلْقَى عَلَيْهَا السَّامِرِيُّ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: اسْتَعَارُوا حُلِيًّا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَجَمَعَهُ السَّامِرِيُّ فَصَاغَ مِنْهُ عِجْلًا فَجَعَلَهُ جَسَداً لَحْمًا وَدَمًا لَهُ خُوارٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ خُوارٌ قَالَ: الصَّوْتُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: خَارَ الْعِجْلُ خورة لم يثن أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ: نَدِمُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَسِفاً قَالَ: حَزِينًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: الْأَسَفُ: مَنْزِلَةٌ وَرَاءَ الْغَضَبِ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: الْأَسَفُ: الْغَضَبُ الشَّدِيدُ. وَأَخْرَجَ اَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ فَرُفِعَتْ إِلَّا سُدُسَهَا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ قَالَ: رَفَعَ اللَّهُ مِنْهَا سِتَّةَ أَسْبَاعِهَا وَبَقِيَ سُبُعٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:

لَمَّا أَلْقَاهَا مُوسَى ذَهَبَ التَّفْصِيلُ وَبَقِيَ الْهُدَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كانت تسع رُفِعَ مِنْهَا لَوْحَانِ وَبَقِيَ سَبْعَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ: مَعَ أصحاب العجل.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٢ الى ١٥٤]

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)

الْغَضَبُ: مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَمَا سَيَنْزِلُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَالذِّلَّةُ:

هِيَ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ «١» ، وَقِيلَ: هِيَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَقِيلَ هِيَ الْجِزْيَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ ذَرَارِيهِمْ، وَالْأَوْلَى: أَنْ يُقَيَّدَ الغضب والذلة بالدنيا


(١) . البقرة: ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>