يُوَفِّقِ بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ فِي اتِّحَادِ كَلِمَتِهِمَا وَحُصُولِ مَقْصُودِهِمَا وَقِيلَ: كِلَا الضَّمِيرَيْنِ لِلزَّوْجَيْنِ، أَيْ: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الشِّقَاقِ أَوْقَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا الْأُلْفَةَ وَالْوِفَاقَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ قَوْلِهِمَا، بِلَا خِلَافٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ إِذَا تَفَاسَدَ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَبْعَثُوا رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَهْلِ الرَّجُلِ وَرَجُلًا مِثْلَهُ من أهل المرأة فينظران أيهما المسيئ، فإن كان الرجل هو المسيئ حَجَبُوا امْرَأَتَهُ عَنْهُ وَقَسَرُوهُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُسِيئَةُ قَسَرُوهَا عَلَى زَوْجِهَا وَمَنَعُوهَا النَّفَقَةَ، فَإِنِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمَا عَلَى أَنْ يُفَرِّقَا أَوْ يَجْمَعَا فَأَمْرُهُمَا جَائِزٌ، فَإِنْ رَأَيَا أَنْ يَجْمَعَا فَرَضِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَكَرِهَ الْآخَرُ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ الَّذِي رَضِيَ يَرِثُ الَّذِي كَرِهَ، وَلَا يَرِثُ الْكَارِهُ الرَّاضِيَ إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً قَالَ: هُمَا الْحَكَمَانِ يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما وَكَذَلِكَ كَلُّ مُصْلِحٍ يُوَفِّقُهُ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيٍّ وَمَعَهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا، قَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي، وَقَالَ الرَّجُلُ:
أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ مِثْلَ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَكَمَيْنِ، فَقِيلَ لَنَا: إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، وَالَّذِي بَعَثَهُمَا عُثْمَانُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّمَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ لِيُصْلِحَا وَيَشْهَدَا عَلَى الظَّالِمِ بِظُلْمِهِ، فَأَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَيْسَتْ بِأَيْدِيهِمَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا حَكَمَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ وَلَمْ يَحْكُمِ الْآخَرُ فَلَيْسَ حكمه بشيء حتى يجتمعا.
[[سورة النساء (٤) : آية ٣٦]]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ. وَشَيْئًا إِمَّا مَفْعُولٌ بِهِ، أَيْ: لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَجَمَادٍ وَحَيَوَانٍ، وَإِمَّا مَصْدَرٌ، أَيْ: لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الْإِشْرَاكِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، وَالْوَاضِحِ وَالْخَفِيِّ. وَقَوْلُهُ: إِحْساناً مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِالرَّفْعِ، وَقَدْ دَلَّ ذِكْرُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَاكِ بِهِ عَلَى عِظَمِ حَقِّهِمَا، ومثله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ «١» فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُشْكَرَا مَعَهُ. قَوْلُهُ: وَبِذِي الْقُرْبى
(١) . لقمان: ١٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute