للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا وَهُوَ بَالِغٌ مَا قَدَّرْتُ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ، وَقَدْ قَضَيْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي قَدَّرْتُ لَهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ أَنَّهُ قَصِيرُ الْعُمُرِ وَالْحَيَاةِ بِبَالِغٍ الْعُمُرَ، وَلَكِنْ يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي كُتِبَ لَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ اللَّهُ وَيُكْتَبَانِ، ثُمَّ يَكْتُبُ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَأَثَرَهُ وَمُصِيبَتَهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي النَّبِيِّ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، وَلَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُخَصَّصَةٌ بِمَا وَرَدَ مِنْ قَبُولِ الدُّعَاءِ، وَأَنَّهُ يَعْتَلِجُ هُوَ وَالْقَضَاءُ، وَبِمَا وَرَدَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ أَنَّهَا تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ قَالَ: الْقِطْمِيرُ الْقِشْرُ، وَفِي لَفْظٍ: الجلد الذي يكون على ظهر النواة.

[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٥ الى ٢٦]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩)

وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤)

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦)

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ افْتِقَارَ خَلْقِهِ إِلَيْهِ، ومزيد حاجتهم إلى فضله، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ والدنيا، فهم الفقراء إليه على الإطلاق وهُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْحَمِيدُ أَيِ: الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ مِنْ عِبَادِهِ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا مِنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ عِنْدَهَا افْتِقَارُهُمْ إِلَيْهِ، وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ أَيْ:

إِنْ يَشَأْ يُفْنِكُمْ وَيَأْتِ بَدَلَكُمْ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يُطِيعُونَهُ وَلَا يَعْصُونَهُ، أَوْ يَأْتِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ، وَعَالَمٍ مِنَ الْعَالَمِ غَيْرِ مَا تَعْرِفُونَ وَما ذلِكَ الإذهاب لَكُمْ وَالْإِتْيَانُ بِآخَرِينَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَيْ: بِمُمْتَنِعٍ وَلَا مُتَعَسِّرٍ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أَيْ: نَفْسٌ وَازِرَةٌ فَحَذَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>