فَيَتَصَدَّقُ بِهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ قَالَ: مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: الْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ، وَالْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
شِرْعَةً وَمِنْهاجاً قَالَ: سَبِيلًا وَسُنَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا أَنْ نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَاتُهُمْ، وَإِنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَنَا يَهُودُ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ، فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَبَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قَالَ:
يَهُودُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هذا في قتيل اليهود.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥١ الى ٥٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥)
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦)
قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ حَقِيقَةً وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُنَافِقُونَ، وَوَصَفَهُمْ بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه. وقد كانوا يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِكُلِّ مَنْ يَتَّصِفُ بِالْإِيمَانِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ، فَيَدْخُلُ الْمُسْلِمُ وَالْمُنَافِقُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمُرَادُ. وَالْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ أَنْ يُعَامَلُوا مُعَامَلَةَ الأولياء في المصادقة وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ. وَقَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ أَوْلِيَاءُ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْهُمْ، وَبَعْضَ النَّصَارَى أَوْلِيَاءُ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ إِحْدَى طَائِفَتَيِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ «١» وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تُوَالِي الْأُخْرَى وَتُعَاضِدُهَا وَتُنَاصِرُهَا عَلَى عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَدَاوَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَإِنْ كَانُوا في ذات بينهم متعادين متضادّين.
(١) . البقرة: ١١٣.