للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ «١» » ، وَفِي ذَمِّ الْكِبْرِ وَمَدْحِ التَّوَاضُعِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي إِخْرَاجِ مَحَبَّةِ حُسْنِ الثَّوْبِ وَحُسْنِ النَّعْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنِ الْكِبْرِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ مَاهِيَّةَ الْكِبْرِ أَنَّهُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ، فَهَذَا هُوَ الْكِبْرُ الْمَذْمُومُ. وَقَدْ سَاقَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عِنْدَ تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَيْسَ هَذَا مَقَامَ إِيرَادِهَا، بَلِ الْمَقَامُ مَقَامُ ذكر ماله عَلَاقَةٌ بِتَفْسِيرِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أن ناسا من مشركي العرب كان يَقْعُدُونَ بِطَرِيقِ مَنْ أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا مَرُّوا سَأَلُوهُمْ فَأَخْبَرُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّمَا هُوَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ الْآيَةَ يَقُولُ يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذي يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَلَا يُخَفِّفُ ذَلِكَ عَمَّنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَالَ: نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ حِينَ بَنَى الصَّرْحَ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ النُّمْرُوذُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ قَالَ: أَتَاهَا أَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَصْلِهَا فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ والسقف: أعالي البيوت فائتفكت بِهِمْ بُيُوتُهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَدَمَّرَهُمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قال: تخالفوني.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٧ الى ٣٢]

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١)

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)

قَوْلُهُ: قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قِيلَ: هُمُ الْعُلَمَاءُ قَالُوهُ لِأُمَمِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعِظُونَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى وَعْظِهِمْ. وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقِ الشَّمَاتَةِ وَقِيلَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ ذِكْرَهُمْ بِوَصْفِ الْعِلْمِ يُفِيدُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ هُمْ أَعْرَقُ فِيهِ لَكِنْ لَهُمْ وَصْفٌ يُذْكَرُونَ بِهِ هُوَ أَشْرَفُ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَنْبِيَاءَ أَوْ كَوْنُهُمْ مَلَائِكَةً، وَلَا يَقْدَحُ فِي هذا


(١) . (غمص الناس) و (غمط الناس) بمعنى واحد، وهو: الاستهانة بهم. انظر النهاية: غمص، غمط.

<<  <  ج: ص:  >  >>