للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيَظْلِمَهُمْ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، أَيْ: فَكَذَّبُوهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، فَمَا ظَلَمَهُمْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ فَأَنْذَرُوهُمْ، وَحَذَّرُوهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِسَبَبِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ لِأَنْبِيَائِهِ، وَهَذَا التَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظُلْمَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَ مُسْتَمِرًّا.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ قَالَ: هُوَ التَّكْذِيبُ، قَالَ:

وَهُوَ أَنْكَرُ الْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَعْرُوفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ قَالَ: لَا يَبْسُطُونَهَا بِنَفَقَةٍ فِي حَقٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ قَالَ: تَرَكُوا اللَّهَ فَتَرَكَهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ وَثَوَابِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَالَ: صَنِيعُ الْكُفَّارِ كَالْكُفَّارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً إِلَى قَوْلِهِ: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا هَؤُلَاءِ بنو إسرائيل: أشبهناهم، والذي نفسي بيده لتتبعنهم حَتَّى لَوْ دَخَلَ رَجُلٌ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: بِخَلاقِهِمْ قَالَ: بِدِينِهِمْ. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْخَلَاقُ: الدِّينُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ قَالَ:

بِنَصِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا قَالَ:

لَعِبْتُمْ كَالَّذِي لَعِبُوا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:

وَالْمُؤْتَفِكاتِ قال: قوم لوط، ائتفك بهم أرضهم، فجعل عاليها سافلها.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧١ الى ٧٢]

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)

قَوْلُهُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أَيْ: قُلُوبُهُمْ مُتَّحِدَةٌ فِي التَّوَادُدِ، وَالتَّحَابُبِ، وَالتَّعَاطُفِ بِسَبَبِ مَا جَمَعَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَضَمَّهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَوْصَافَهُمُ الْحَمِيدَةَ كَمَا بَيَّنَ أَوْصَافَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الشَّرْعِ غَيْرَ مُنْكَرٍ، وَمِنْ ذَلِكَ تَوْحِيدُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَتَرْكُ عِبَادَةِ غَيْرِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أَيْ: عَمَّا هُوَ معروف في الشرع غير منكر، وَخَصَّصَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ بِالذِّكْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ لِكَوْنِهِمَا الرُّكْنَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا. وَيُطِيعُونَ اللَّهَ فِي صُنْعِ مَا أَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ أَوْ نَهَاهُمْ عَنْ تَرْكِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِ أُولئِكَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَالسِّينُ فِي سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>