للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُنَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَنَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَكِنَّهَا سَنَةُ هِرَقْلَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: هَذَا الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما «١» الْآيَةَ، قَالَ: فَسَمِعَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَكِنْ نَزَلَ فِي أَبِيكَ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ- هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ- هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فلم نعرفه حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ، فَعَرَفْنَاهُ لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: الْعُتُلُّ: هُوَ الدَّعِيُّ، وَالزَّنِيمُ: هُوَ الْمُرِيبُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ قَالَ: الزَّنِيمُ: هُوَ الدَّعِيُّ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الزَّنِيمُ: الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُونَ: رَجُلُ سُوءٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: زَنِيمٍ قَالَ: ظَلُومٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، وَقِيلَ: فِي الْوَلِيدِ بْنِ المغيرة.

[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ الى ٣٣]

إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)

أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)

بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١)

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)

قَوْلُهُ: إِنَّا بَلَوْناهُمْ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، فَإِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ، وَالْمَعْنَى: أَعْطَيْنَاهُمُ الْأَمْوَالَ لِيَشْكُرُوا لَا لِيَبْطَرُوا، فَلَمَّا بَطِرُوا ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْمَعْرُوفُ خَبَرُهُمْ عِنْدَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ صَنْعَاءَ لِرَجُلٍ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْهَا، فَمَاتَ وَصَارَتْ إِلَى أَوْلَادِهِ، فَمَنَعُوا النَّاسَ خَيْرَهَا، وَبَخِلُوا بِحَقِّ اللَّهِ فِيهَا.

قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ ثَقِيفٍ كَانُوا بِالْيَمَنِ مُسْلِمِينَ، وَرِثُوا مِنْ أَبِيهِمْ ضَيْعَةً فِيهَا جَنَّاتٌ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ، وَكَانَ أَبُوهُمْ يَجْعَلُ مِمَّا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَظًّا لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَ الْحَصَادِ وَالصِّرَامِ، فَقَالَتْ بَنُوهُ: الْمَالُ قَلِيلٌ، وَالْعِيَالُ كَثِيرٌ، وَلَا يَسَعُنَا أَنْ نَفْعَلَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَبُونَا، وَعَزَمُوا عَلَى حِرْمَانِ الْمَسَاكِينِ، فَصَارَتْ عَاقِبَتُهُمْ إِلَى مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَنْعَاءَ فَرْسَخَانِ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ حَرَّقَ جنتهم. وقيل: هي جنة كانت بضوران، وضوران عَلَى فَرَاسِخَ مِنْ صَنْعَاءَ، وَكَانَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَفْعِ عِيسَى بِيَسِيرٍ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ أَيْ: حَلَفُوا لَيَقْطَعُنَّهَا دَاخِلِينَ فِي وقت الصباح، والصرم: القطع للثمر


(١) . الأحقاف: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>