سورة التّين
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَرَوَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَيُخَالِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ التِّينِ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا وَلَا قِرَاءَةً مِنْهُ» . وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ عَنْهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المغرب، فقرأ بالتين وَالزَّيْتُونِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ قَانِعٍ وَابْنُ السَّكَنِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْأَلْقَابِ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَامَةِ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الغداة قرأ بالتين والزيتون، وإنا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التين (٩٥) : الآيات ١ الى ٨]
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)
قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ التِّينُ الَّذِي يَأْكُلُهُ النَّاسُ وَالزَّيْتُونِ الَّذِي يَعْصِرُونَ مِنْهُ الزَّيْتَ، وَإِنَّمَا أَقْسَمَ بِالتِّينِ لِأَنَّهُ فَاكِهَةٌ مُخْلَصَةٌ مِنْ شَوَائِبِ التَّنْغِيصِ، وَفِيهَا أَعْظَمُ عِبْرَةٍ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَنْ هَيَّأَهَا لِذَلِكَ، وَجَعَلَهَا عَلَى مِقْدَارِ اللُّقْمَةِ. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ: إن التين أنفع الفواكه وَأَكْثَرُهَا غِذَاءً، وَذَكَرُوا لَهُ فَوَائِدَ كَمَا فِي كُتُبِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ، وَأَمَّا الزَّيْتُونُ فَإِنَّهُ يُعْصَرُ مِنْهُ الزَّيْتُ الَّذِي هُوَ إِدَامُ غَالِبِ الْبُلْدَانِ وَدَهْنُهُمْ، وَيَدْخُلُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: التِّينُ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالزَّيْتُونُ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
التِّينُ: مَسْجِدُ دِمَشْقَ، وَالزَّيْتُونُ: مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: التِّينُ: الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ دِمَشْقُ، وَالزَّيْتُونُ: الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ: التِّينُ: دِمَشْقُ، وَالزَّيْتُونُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْحَامِلُ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْعُدُولِ عَنِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْعُدُولِ إِلَى هَذِهِ التَّفْسِيرَاتِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْمَعْنَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى خَيَالَاتٍ لَا تَرْجِعُ إِلَى عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute