مُعَيْطٍ، وَقَدِمَ خَلِيلُهُ مِنَ الشَّامِ لَيْلًا فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: مَا فَعَلَ مُحَمَّدٌ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: أَشَدَّ مَا كَانَ أَمْرًا، فَقَالَ: مَا فَعَلَ خَلِيلِي أَبُو مُعَيْطٍ؟ فَقَالَتْ: صَبَأَ، فَبَاتَ بِلَيْلَةِ سُوءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَاهُ أَبُو مُعَيْطٍ فَحَيَّاهُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ التَّحِيَّةَ، فَقَالَ: مَالَكَ لَا تَرُدُّ عَلَيَّ تَحِيَّتِي؟ فَقَالَ: كَيْفَ أَرُدُّ عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: نعم، فَمَا يُبْرِئُ صُدُورَهُمْ إِنْ أَنَا فَعَلْتُهُ؟ قَالَ: تَأْتِيهِ فِي مَجْلِسِهِ فَتَبْزُقُ فِي وَجْهِهِ وَتَشْتُمُهُ بِأَخْبَثِ مَا تَعْلَمُ مِنَ الشَّتْمِ، فَفَعَلَ فَلَمْ يردّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ مَسْحَ وَجْهَهُ مِنَ الْبُزَاقِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ:
إِنْ وَجَدْتُكَ خَارِجًا مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ أَضْرِبُ عُنُقَكَ صَبْرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَخَرَجَ أَصْحَابُهُ أَبَى أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: اخْرُجْ مَعَنَا، قَالَ: وَعَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ إِنْ وَجَدَنِي خَارِجًا مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقِي صَبْرًا، فَقَالُوا: لَكَ جَمَلٌ أَحْمَرُ لَا يُدْرَكُ، فَلَوْ كَانَتِ الْهَزِيمَةُ طِرْتَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَحَمَلَ بِهِ جَمَلُهُ فِي جُدُودٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَسِيرًا فِي سَبْعِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُدِّمَ إِلَيْهِ أَبُو مُعَيْطٍ فَقَالَ: أَتَقْتُلَنِي مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ بِمَا بَزَقْتَ فِي وَجْهِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي مُعَيْطٍ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ إِلَى قَوْلِهِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ أَنَّ خَلِيلَ أَبِي مُعَيْطٍ: هُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عباس أيضا في قوله: يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ قَالَ: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَعَقَبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُمَا الْخَلِيلَانِ فِي جَهَنَّمَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ قَالَ: كَانَ عَدُوَّ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ وَعَدُوَّ مُوسَى قَارُونُ، وَكَانَ قَارُونُ ابْنَ عَمِّ مُوسَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ كَمَا يَزْعُمُ نَبِيًّا فَلِمَ يُعَذِّبُهُ رَبُّهُ؟ أَلَّا يُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ وَالسُّورَةَ وَالسُّورَتَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ جَوَابَ مَا قَالُوا: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً إِلَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ قَالَ:
لِنُشَدِّدَ بِهِ فُؤَادَكَ وَنَرْبِطَ عَلَى قَلْبِكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا قَالَ: رَسَّلْنَاهُ تَرْسِيلًا، يَقُولُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ يَقُولُ: لَوْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ سَأَلُوكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يجيب، ولكنا نمسك عليك، فإذا سألوك أجبت.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٥ الى ٤٤]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute