للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَمَانِ لَيَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طعام إلّا ورق الشجر، وخرج حافيا، فلما وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى وَقَعَ خُفُّ قَدَمِهِ «١» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: تَذُودانِ تَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا حَتَّى يَنْزِعَ النَّاسُ وَيَخْلُوَ لَهُمَا الْبِئْرُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لَقَدْ قَالَ مُوسَى: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلَتْ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وَهُوَ أَكْرَمُ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَلَقَدِ افْتَقَرَ إِلَى شِقِّ تَمْرَةٍ، وَلَقَدْ لَصِقَ بَطْنُهُ بِظَهْرِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: مَا سَأَلَ إِلَّا الطَّعَامَ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: سَأَلَ فِلَقًا مِنَ الْخُبْزِ يَشُدُّ بِهَا صُلْبَهُ مِنَ الجوع.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٥ الى ٣٢]

فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَارًا قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩)

فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)

قَوْلُهُ: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. قَالَ الزَّجَّاجُ:

تَقْدِيرُهُ فَذَهَبَتَا إِلَى أَبِيهِمَا سَرِيعَتَيْنِ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمَا الْإِبْطَاءَ فِي السَّقْيِ، فَحَدَّثَتَاهُ بِمَا كَانَ مِنَ الرَّجُلُ الَّذِي سَقَى لَهُمَا. فَأَمَرَ الْكُبْرَى مِنْ بِنْتَيْهِ، وَقِيلَ: الصُّغْرَى أَنْ تَدْعُوَهُ لَهُ فَجَاءَتْهُ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُمَا ابْنَتَا شُعَيْبٍ.

وَقِيلَ: هُمَا ابْنَتَا أَخِي شُعَيْبٍ، وَأَنَّ شُعَيْبًا كَانَ قَدْ مَاتَ. وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَمَحَلُّ «تَمْشِي» النصب على الحال من فاعل جاءت، وعَلَى اسْتِحْياءٍ حَالٌ أُخْرَى، أَيْ: كَائِنَةٌ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ حَالَتَيِ الْمَشْيِ وَالْمَجِيءِ فَقَطْ، وَجُمْلَةُ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَاذَا قَالَتْ لَهُ لَمَّا جَاءَتْهُ؟ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا أَيْ: جَزَاءَ سَقْيِكَ لَنَا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ الْقَصَصُ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ: أَيِ الْمَقْصُوصُ يَعْنِي أَخْبَرَهُ بِجَمِيعِ مَا اتَّفَقَ لَهُ مِنْ عِنْدِ قتله القبطيّ إلى عند


(١) . قال في القاموس: الخف بالضم: ما أصاب الأرض من باطن القدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>