للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسْنَاءَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ، فَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبِطَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْجَوْزَاءِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ:

فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ.

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْمُسْتَقْدِمِينَ: الصُّفُوفَ المقدّمة، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ:

الصُّفُوفَ الْمُؤَخَّرَةَ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي أَنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرَّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرَّهَا أَوَّلُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُقَاتِلِ بن حيان أن الآية في صفوف [الصلاة و] «١» الْقِتَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يعني بالمستقدمين من مات، وبالمستأخرين مَنْ هُوَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْمُسْتَقْدِمِينَ آدَمَ وَمَنْ مَضَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ.

[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٦ الى ٤٤]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)

إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)

قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)

قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)

الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ هُوَ آدَمُ لِأَنَّهُ أَصْلُ هَذَا النَّوْعِ، وَالصَّلْصَالُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ الطِّينُ الْمَخْلُوطُ بِالرَّمْلِ الَّذِي يَتَصَلْصَلُ إِذَا حُرِّكَ، فَإِذَا طُبِخَ فِي النَّارِ فَهُوَ الْفَخَّارُ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ الطِّينُ الْمُنْتِنُ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ: إِذَا أَنْتَنَ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا. قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

ذَاكَ فَتًى يَبْذُلُ ذَا قِدْرِةٍ ... لَا يُفْسِدُ اللَّحْمَ لَدَيْهِ الصُّلُولُ


(١) . من الدر المنثور (٥/ ٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>