الْأَوْلَى: مَجْزُومٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ: مَرْفُوعٌ عَلَى تَقْدِيرِ إِضْمَارِ الْفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ، أَيْ: لَا يَضُرُّكُمْ أَنْ تَصْبِرُوا. وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمٍ: لَا يَضُرُّكُمْ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَشَيْئًا: صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنَ يَهُودَ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ لِخَوْفِ الفتنة عليهم منهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هُمُ الْخَوَارِجُ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ أَيْ: بِكِتَابِكُمْ وَبِكِتَابِهِمْ وَبِمَا مَضَى مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلٍ: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ يَعْنِي: النَّصْرَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَالرِّزْقَ، وَالْخَيْرَ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَعْنِي: الْقَتْلَ، وَالْهَزِيمَةَ، والجهد.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢١ الى ١٢٩]
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)
الْعَامِلُ فِي «إِذْ» فِعْلٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَاذْكُرْ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ مَنْزِلِ أَهْلِكَ، أَيْ: مِنَ الْمَنْزِلِ الَّذِي فِيهِ أَهْلُكَ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي يَوْمِ بَدْرٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْكَلْبِيُّ: فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ. قَوْلُهُ: تُبَوِّئُ أَيْ: تَتَّخِذُ لَهُمْ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ، وَأَصْلُ التَّبَوُّءِ:
اتِّخَاذُ الْمَنْزِلِ، يُقَالُ: بَوَّأْتُهُ مَنْزِلًا: إِذَا أَسْكَنْتَهُ إِيَّاهُ، وَالْفِعْلُ: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَاذْكُرْ إِذْ خَرَجْتَ مِنْ مَنْزِلِ أَهْلِكَ تَتَّخِذُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ، أَيْ: أَمَاكِنَ يَقْعُدُونَ فِيهَا، وَعَبَّرَ عَنِ الْخُرُوجِ بِالْغُدُوِّ الَّذِي هُوَ الْخُرُوجُ غَدْوَةً، مع كونه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَرَجَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّهُ قَدْ يُعَبِّرُ بِالْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ عَنِ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَصْلِ مَعْنَاهُمَا، كَمَا يُقَالُ: أَضْحَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ الضحى. قوله:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute