[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٥ الى ٧٠]
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)
لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)
لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَالَ الْكَافِرِينَ أَتْبَعَهُ بِحِكَايَةِ حَالِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَجَعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُقَالُ لِلْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ زِيَادَةً لِحَسْرَتِهِمْ، وَتَكْمِيلًا لِجَزَعِهِمْ، وَتَتْمِيمًا لِمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ، وَمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الشَّقَاءِ، فَإِذَا رَأَوْا مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، وَمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ، بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ مَبْلَغًا عظيما، وزاد في ضيق صدورهم زيادة لَا يُقَادَرُ قَدْرُهَا. وَالْمَعْنَى إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ اللَّذَّاتِ الَّتِي هِيَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ على قلب بشر على الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْكُفَّارِ، وَمَصِيرُهُمْ إِلَى النَّارِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَرَابَتِهِمْ. وَالْأَوْلَى عَدَمُ تَخْصِيصِ الشُّغْلِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: شُغُلُهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِافْتِضَاضِ الْعَذَارَى. وَقَالَ وَكِيعٌ: شُغُلُهُمْ بِالسَّمَاعِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِزِيَارَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَقِيلَ شُغُلُهُمْ كَوْنُهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي ضِيَافَةِ اللَّهِ. قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْنُ عَامِرٍ: شُغُلٍ بِضَمَّتَيْنِ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ. وَهُمَا لُغَتَانِ كما قال الفراء. وقرأ مجاهد وأبو السمال بِفَتْحَتَيْنِ. وَقَرَأَ يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ بِفَتْحِ الشين وسكون الغين. وقرأ الْجُمْهُورِ فاكِهُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ، وَفِي شُغُلٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ إِنَّ وَفَاكِهُونَ خَبَرٌ ثَانٍ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ «فَاكِهِينَ» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، وَفِي شُغُلٍ هُوَ الْخَبَرُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَشَيْبَةُ، وَقَتَادَةُ، وَمُجَاهِدٌ «فَكِهُونَ» قَالَ الْفَرَّاءُ: هُمَا لُغَتَانِ كَالْفَارِهِ وَالْفَرِهِ، وَالْحَاذِرِ وَالْحَذِرِ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ الْفَاكِهُ: ذُو الْفَاكِهَةِ مِثْلُ تَامِرٍ وَلَابِنٍ، وَالْفَكِهُ: الْمُتَفَكِّهُ وَالْمُتَنَعِّمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَكِهُونَ الْمُعْجَبُونَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ رَجُلٌ فَكِهٌ: إِذَا كَانَ طَيِّبَ النَّفْسِ ضَحُوكًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ كَمَا قَالَ الْكِسَائِيُّ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ شُغُلِهِمْ وَتَفَكُّهِهِمْ وَتَكْمِيلِهَا بِمَا يَزِيدُهُمْ سُرُورًا وَبَهْجَةً مِنْ كَوْنِ أَزْوَاجِهِمْ مَعَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الِاتِّكَاءِ عَلَى الْأَرَائِكِ، فَالضَّمِيرُ وَهُوَ هُمْ:
مُبْتَدَأٌ، وأزواجهم مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَالْخَبَرُ: مُتَّكِئُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هم تأكيدا للضمير في فاكِهُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute