مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ قال: الطائفة: الرّجل والنّفر.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)
قَوْلُهُ: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ذَكَرَ هَاهُنَا جُمْلَةَ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَأَنَّ ذُكُورَهُمْ فِي ذَلِكَ كَإِنَاثِهِمْ، وَأَنَّهُمْ مُتَنَاهَوْنَ فِي النِّفَاقِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ، ثُمَّ فَصَّلَ ذَلِكَ الْمُجْمَلَ بِبَيَانِ مُضَادَّةِ حَالِهِمْ لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ:
يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَهُوَ كُلُّ قَبِيحٍ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ كُلُّ حَسَنٍ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا، قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ أَيْ: لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَيْ: مُتَشَابِهُونَ فِي الْأَمْرِ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ أَيْ:
يَشِحُّونَ فِيمَا يَنْبَغِي إِخْرَاجُهُ مِنَ الْمَالِ فِي الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْجِهَادِ، فَالْقَبْضُ كِنَايَةٌ عَنِ الشُّحِّ، كَمَا أَنَّ الْبَسْطَ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَرَمِ، وَالنِّسْيَانُ: التَّرْكُ أَيْ: تَرَكُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَتَرَكَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ هُنَا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ، أَيِ: الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى مَعَاصِيهِ، وَهَذَا التَّرْكِيبُ يُفِيدُ أَنَّهُمْ هُمُ الْكَامِلُونَ فِي الْفِسْقِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَآلَ حَالِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ بِأَنَّهُ: نارَ جَهَنَّمَ وخالِدِينَ فِيها حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ:
مُقَدِّرِينَ الْخُلُودَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ: وَعَدَ، يُقَالُ فِي الشَّرِّ، كَمَا يُقَالُ فِي الْخَيْرِ هِيَ حَسْبُهُمْ أَيْ: كَافِيَتُهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى عَذَابِهَا، وَمع ذَلِكَ فَقَدْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَيْ: طَرَدَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ أَيْ: نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْعَذَابِ دَائِمٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمْ. قَوْلُهُ: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شَبَّهَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ، مُلْتَفِتًا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ، وَالْكَافُ مَحَلُّهَا رَفْعٌ عَلَى خَبَرِيَّةِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنْتُمْ مِثْلُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَوْ مَحَلُّهَا نَصْبٌ، أَيْ: فَعَلْتُمْ مِثْلَ فِعْلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: التَّقْدِيرُ: وَعَدَ اللَّهُ الْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ وَعْدًا كَمَا وَعَدَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute