فِي قَوْلِهِ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا قال: في صورة رجل، وفي خَلْقِ رَجُلٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا يَقُولُ: فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ يَقُولُ: شَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: شَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ مَا يُشَبِّهُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَهَمَزُوهُ واستهزءوا بِهِ فَغَاظَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢ الى ٢١]
قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)
قَوْلُهُ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ وَتَبْكِيتٌ لَهُمْ. وَالْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَإِنْ قَالُوا فَقُلْ: لِلَّهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ ما في السموات وَالْأَرْضِ إِمَّا بِاعْتِرَافِهِمْ، أَوْ بِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَاجِلَهُمْ بِالْعِقَابِ، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ: أَيْ وَعَدَ بِهَا فَضْلًا مِنْهُ وَتَكَرُّمًا. وَذِكْرُ النَّفْسِ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ تَأَكُّدِ وَعْدِهِ وَارْتِفَاعِ الْوَسَائِطِ دُونَهُ، وَفِي الْكَلَامِ تَرْغِيبٌ لِلْمُتَوَلِّينَ عَنْهُ إِلَى الْإِقْبَالِ إِلَيْهِ وَتَسْكِينِ خَوَاطِرِهِمْ بِأَنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُمُ الْإِنَابَةَ وَالتَّوْبَةَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ لَهُمْ إِرْسَالُ الرُّسُلِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ، وَنَصْبُ الْأَدِلَّةِ. قَوْلُهُ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: الرَّحْمَةَ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُسْتَأْنَفًا عَلَى جِهَةِ التَّبْيِينِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ لَيُمْهِلَنَّكُمْ وَلَيُؤَخِّرَنَّ جَمْعَكُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي الْقُبُورِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ. وَقِيلَ: إِلى بِمَعْنَى فِي: أَيْ لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ النَّصْبَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الرَّحْمَةِ، فَتَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى أَنْ. وَالْمَعْنَى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنْ يَجْمَعَنَّكُمْ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ «١»
(١) . يُوسُفَ: ٣٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute