للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْشَنَ الطَّعَامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: انْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا إِذَا أَخَذَهَا؟ فَمَا لَبِثَ أَنْ لَبِسَ أَلْيَنَ الثِّيَابِ، وَأَكَلَ أَطْيَبَ الطَّعَامِ، فَجَاءَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ.

[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٨ الى ١٢]

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (١١) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢)

لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحْكَامِ، حَذَّرَ مِنْ مُخَالَفَتِهَا، وَذَكَرَ عُتُوَّ قَوْمٍ خَالَفُوا أَوَامِرَهُ، فَحَلَّ بِهِمْ عَذَابُهُ، فَقَالَ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ يَعْنِي عَصَتْ، وَالْمُرَادُ أَهْلُهَا، وَالْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ عَصَوْا أَمْرَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، أَوْ أَعْرَضُوا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ عَلَى تَضْمِينِ عَتَتْ مَعْنَى أَعْرَضَتْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي كَأَيِّنْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَغَيْرِهَا فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً أَيْ: شَدَّدْنَا عَلَى أَهْلِهَا فِي الْحِسَابِ بِمَا عَمِلُوا. قَالَ مُقَاتِلٌ: حَاسَبَهَا اللَّهُ بِعَمَلِهَا فِي الدُّنْيَا فَجَازَاهَا بِالْعَذَابِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:

وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً أَيْ: عَذَّبْنَا أَهْلَهَا عَذَابًا عَظِيمًا مُنْكَرًا فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: عَذَّبْنَا أَهْلَهَا عَذَابًا نُكْرًا فِي الدُّنْيَا بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ وَالسَّيْفِ وَالْخَسْفِ وَالْمَسْخِ، وَحَاسَبْنَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ حِسَابًا شَدِيدًا. وَالنُّكْرُ الْمُنْكَرُ فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها أَيْ: عَاقِبَةَ كُفْرِهَا وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً أَيْ: هَلَاكًا فِي الدُّنْيَا وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ، والتكرير للتأكيد فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ أَيْ: يَا أُولِي الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ، وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ آمَنُوا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ، أَعْنِي بيانا للمنادى بقوله: يا أُولِي الْأَلْبابِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ، أَوْ نَعْتٌ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً- رَسُولًا قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنْزَالُ الذِّكْرِ دَلِيلٌ عَلَى إِضْمَارِ أَرْسَلَ، أَيْ: أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ قُرْآنًا، وَأَرْسَلَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: إِنَّ رَسُولًا مَنْصُوبٌ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ ذِكْرًا لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنَوَّنَ يَعْمَلُ. وَالْمَعْنَى: أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ ذِكْرَ الرَّسُولِ. وَقِيلَ: إِنَّ رَسُولًا بَدَلٌ مِنْ ذِكْرًا، وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الرَّسُولَ نَفْسَ الذِّكْرِ مُبَالَغَةً. وَقِيلَ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مِنَ الْأَوَّلِ تَقْدِيرُهُ: أَنْزَلَ ذَا ذِكْرٍ رَسُولًا، أَوْ صَاحِبَ ذِكْرٍ رَسُولًا. وَقِيلَ: إِنَّ رَسُولًا نَعَتٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: ذِكْرًا ذَا رَسُولٍ، فَذَا رَسُولٍ نَعْتٌ للذكر.

وقيل: إن «رسولا» بمعنى رسالة، فيكون «رسولا» بدلا صريحا من غير تأويل، أو بيانا.

وَقِيلَ: إِنَّ رَسُولًا مُنْتَصِبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، كَأَنَّهُ قال: الزموا رسولا. وقيل: إن الذكر ها هنا بمعنى الشرف

<<  <  ج: ص:  >  >>