في قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قَالَ: مَا أَصَابَتِ السَّرَايَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالنَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ حَتَّى نَسَخَهَا آيَةُ الْخُمُسِ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ قَالَ: هَذَا تَخْرِيجٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَأَنْ يُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي الْأَنْفَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: كَانَ صَلَاحُ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَنْ رُدَّتِ الْغَنَائِمُ، فَقُسِّمَتْ بَيْنَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَنْ قَاتَلَ وَغَنِمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: طَاعَةُ الرَّسُولِ: اتّباع الكتاب والسّنّة.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢ الى ٤]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
الْوَجَلُ: الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ، وَالْمُرَادُ: أَنَّ حُصُولَ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَالْفَزَعِ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ هُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِي الْإِيمَانِ، الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ، فَالْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْإِيمَانِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ:
هَذِهِ الْآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ، وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا وَإِنْ صَحَّ إِدْرَاجُهُ تَحْتَ مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ جِهَةِ: أَنَّ وَجَلَ الْقُلُوبِ عِنْدَ الذَّكَرِ وَزِيَادَةَ الْإِيمَانِ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِ اللَّهِ يَسْتَلْزِمَانِ امْتِثَالَ مَا أَمَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ كَوْنِ الْأَنْفَالِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَقْصُودَ الْآيَةِ هُوَ إِثْبَاتُ هَذِهِ الْمَزِيَّةِ لِمَنْ كَمُلَ إِيمَانُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، وَلَا بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا بِوَاقِعَةٍ دُونَ وَاقِعَةٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ تِلَاوَةِ آيَاتِهِ: تِلَاوَةُ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةِ، أَوِ التَّعْبِيرُ عَنْ بَدِيعِ صَنْعَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ فِي آيَاتِهِ التَّكْوِينِيَّةِ بِذِكْرِ خَلْقِهَا الْبَدِيعِ وَعَجَائِبِهَا الَّتِي يَخْشَعُ عِنْدَ ذِكْرِهَا الْمُؤْمِنُونَ. قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ، هُوَ زِيَادَةُ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَطُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ، وَانْثِلَاجُ الْخَاطِرِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْآيَاتِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ: زِيَادَةُ الْعَمَلِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَالْآيَاتُ الْمُتَكَاثِرَةُ، وَالْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ، تَرُدُّ ذَلِكَ وَتَدْفَعُهُ وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ: تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، وَالْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَوْصُولِ الَّذِي قَبْلَهُ، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ بَيَانٌ لَهُ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَدْحِ، وَخَصَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةَ لِكَوْنِهِمَا أَصْلَ الْخَيْرِ وَأَسَاسَهُ، وَ «مِنْ» فِي مِمَّا لِلتَّبْعِيضِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَى الْمُتَّصِفِينَ بِالْأَوْصَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ:
أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الْكَامِلُونَ الْإِيمَانِ، الْبَالِغُونَ فيه إلى أعلى درجاته وأقصى غاياته وحَقًّا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، أَيْ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، أَوْ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ إِيمَانًا حَقًّا، ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَعَدَّ لِمَنْ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنَ الْكَرَامَةِ فَقَالَ: لَهُمْ دَرَجاتٌ أَيْ: مَنَازِلُ خَيْرٍ وَكَرَامَةٍ وَشَرَفٍ فِي الْجَنَّةِ كَائِنَةٌ عند ربهم، وفي كونها عنده سبحانه: تَشْرِيفٍ لَهُمْ وَتَكْرِيمٍ وَتَعْظِيمٍ وَتَفْخِيمٍ، وَجُمْلَةُ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute