وَهُمْ مُنَافِقُو الْأَعْرَابِ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَا صَدَقُوا، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ:
سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ أَيْ: مِنَ الْأَعْرَابِ، وَهُمُ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بِالْأَعْذَارِ الْبَاطِلَةِ، والذين لم يعتذروا، بل كذبوا بالله وَرَسُولَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ أَيْ: كَثِيرُ الْأَلَمِ فَيَصْدُقُ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ أَيْ: أَهْلُ الْعُذْرِ مِنْهُمْ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَضْدَادِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:
«لَعَنَ اللَّهُ الْمُعَذِّرِينَ» وَيَقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ، كَأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُعَذِّرَ بِالتَّشْدِيدِ: هُوَ الْمُظْهِرُ لِلْعُذْرِ اعْتِلَالًا مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ جَاءُوا فاعتذروا، منهم خفاف بن إيماء، وقيل:
هم رَهْطُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ قَالُوا: إِنْ غَزْوَنَا معك أغارت أعراب طيء على أهالينا ومواشينا.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩١ الى ٩٣]
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٩٣)
لَمَّا ذَكَرَ سبحانه «المعذّرون» ذَكَرَ بَعْدَهُمْ أَهْلَ الْأَعْذَارِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْغَزْوِ، وَبَدَأَ بِالْعُذْرِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَهُمْ أَرْبَابُ الزَّمَانَةِ، وَالْهَرَمِ، وَالْعَمَى، وَالْعَرَجِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعُذْرَ الْعَارِضَ فَقَالَ: وَلا عَلَى الْمَرْضى وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ: كُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا وَقِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْمَرَضِ: الْأَعْمَى، وَالْأَعْرَجِ، وَنَحْوُهُمَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْعُذْرَ الرَّاجِعَ إِلَى الْمَالِ لَا إِلَى الْبَدَنِ فَقَالَ: وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ أَيْ: لَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يُنْفِقُونَهَا فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ التَّجَهُّزِ لِلْجِهَادِ، فَنَفَى سُبْحَانَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْحَرَجَ وَأَبَانَ أَنَّ الْجِهَادَ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ سَاقِطٌ عَنْهُمْ، غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِمْ، مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ: إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَصْلُ النُّصْحِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ مِنَ الْغِشِّ، وَمِنْهُ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ. قَالَ نَفْطَوَيْهِ: نَصَحَ الشَّيْءُ: إِذَا خَلُصَ، وَنَصَحَ لَهُ الْقَوْلَ: أَيْ: أَخْلَصَهُ لَهُ، وَالنُّصْحُ لِلَّهِ:
الْإِيمَانُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِشَرِيعَتِهِ، وَتَرْكُ مَا يُخَالِفُهَا كَائِنًا مَا كَانَ، وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا نُصْحُ عِبَادِهِ، وَمَحَبَّةُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، وَبَذْلُ النَّصِيحَةِ لَهُمْ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ، وَتَرْكُ الْمُعَاوَنَةِ لِأَعْدَائِهِمْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَنَصِيحَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التَّصْدِيقُ بِنُبُوَّتِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ أَوْ يَنْهَى عَنْهُ، وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُ، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ، وَمَحَبَّتُهُ، وَتَعْظِيمُ سُنَّتِهِ، وَإِحْيَاؤُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ الْقُدْرَةُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ- ثَلَاثًا-، قَالُوا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، ولكتابه،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute