للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُبِينٌ الْآيَةَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَدْ مَضَى الْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ وَاللِّزَامُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَمْ أَنَمْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَقُلْتُ لِمَ؟ قَالَ: طَلَعَ الْكَوْكَبُ فَخَشِيتُ أَنْ يَطْرُقَ الدُّخَانُ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا صَحَّحَهُ السُّيُوطِيُّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ. وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ هَذِهِ الْآيَةِ نَازِلَةً فِي الدُّخَانِ الَّذِي كَانَ يَتَرَاءَى لِقُرَيْشٍ مِنَ الْجُوعِ، وَبَيْنَ كَوْنِ الدُّخَانِ مِنْ آيَاتِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا وَأَشْرَاطِهَا.

فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ وَحِسَانٌ وَضِعَافٌ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى التَّطْوِيلِ بِذِكْرِهَا، وَالْوَاجِبُ التَّمَسُّكُ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ دُخَانَ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ هُوَ سَبَبُ النُّزُولِ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ انْدِفَاعَ تَرْجِيحِ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهُ الدُّخَانُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَابْنِ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الدُّخَانُ الْكَائِنُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مُتَمَسِّكًا بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ دُخَانٌ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ظَنَّ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ الدُّخَانِ يَوْمَ الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ سَبَبُ نُزُولِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَا أَقُولُ هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ قَبْلَ هَذَا: فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رواية العوفي عنه وعن أبيّ ابن كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ بَطْشَةٍ كُبْرَى أَيْضًا انْتَهَى.

قُلْتُ: بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَوْمُ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمَ بَطْشَةٍ أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ بَطْشَةٍ، فَإِنَّ السِّيَاقَ مَعَ قُرَيْشٍ، فَتَفْسِيرُهُ بِالْبَطْشَةِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْبَطْشَةِ الَّتِي تَكُونُ يَوْمَ القيامة لكل عاص من الإنس والجنّ.

[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١٧ الى ٣٧]

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١)

فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦)

وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١)

وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦)

أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>