قَالُوا، وَمَا أَعْجَبَهُمْ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، فَالْتَقَوْا، فَهُزِمُوا حَتَّى مَا يَقُومُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادي أحياء العرب: إليّ إليّ، فو الله مَا يَعْرُجُ عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى أَعْرَى مَوْضِعُهُ، فَالْتَفَتَ إِلَى الْأَنْصَارِ وَهُمْ نَاحِيَةٌ فَنَادَاهُمْ: يَا أَنْصَارَ اللَّهِ! وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، فَجَثَوْا يَبْكُونَ وَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إِلَيْكَ وَاللَّهِ، فَنَكَّسُوا رُؤُوسَهُمْ يَبْكُونَ وَقَدَّمُوا أَسْيَافَهُمْ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ الرَّبِيعِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَبَ مِنْ قِلَّةٍ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ قَالَ الرَّبِيعُ:
وَكَانُوا اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا، مِنْهُمْ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَبَقِيتُ مَعَهُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ قَدَمًا وَلَمْ نُولَّهُمُ الدُّبُرَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَمْضِي قُدُمًا، فَقَالَ: نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَنَاوَلْتُهُ فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ، فَامْتَلَأَتْ أَعْيُنُهُمْ تُرَابًا، وَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ أَدْبَارَهُمْ، وَوَقْعَةُ حُنَيْنٍ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالْحَدِيثِ بِطُولِهَا وَتَفَاصِيلِهَا فَلَا نُطَوِّلُ بِذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ:
وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا قَالَ: قَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ أَمَدَّ اللَّهُ رَسُولَهُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَيَوْمئِذَ سَمَّى اللَّهُ الْأَنْصَارَ مُؤْمِنِينَ قَالَ: فَأَنْزَلَ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ النِّجَادِ الْأَسْوَدِ أَقْبَلَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا نَمْلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ، لَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، وَلَمْ تَكُنْ إلا هزيمة القوم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)
النَّجَسُ: مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، يُقَالُ رَجُلٌ نَجَسٌ، وَامْرَأَةٌ نَجَسٌ، وَرَجُلَانِ نَجَسٌ، وَامْرَأَتَانِ نَجَسٌ، وَرِجَالٌ نَجَسٌ، وَنِسَاءٌ نَجِسٌ وَيُقَالُ: نَجِسٌ وَنَجُسٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَيُقَالُ: نِجْسٌ، بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَهُوَ تَخْفِيفٌ مِنْ الْمُحَرَّكِ، قِيلَ: لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا إِذَا قِيلَ مَعَهُ رِجْسٌ، وَقِيلَ: ذَلِكَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ. وَالْمُشْرِكُونَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ الْمَصْدَرُ مُبَالَغَةً فِي وَصْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ ذَوُو نَجَسٍ، لِأَنَّ مَعَهُمُ الشِّرْكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّجَسِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُهُمَا: إِنَّهُمْ وُصِفُوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ، وَلَا يَغْتَسِلُونَ، وَلَا يَتَجَنَّبُونَ النَّجَاسَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute