وغير هما عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ. فَقَالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا. فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ حَتَّى بَلَغَ فَوْزاً عَظِيماً» .
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٨ الى ١٥]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)
قَوْلُهُ: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً أَيْ: عَلَى أُمَّتِكَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ لِلْمُطِيعِينَ وَنَذِيراً لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: لِتُؤْمِنُوا بِالْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّحْتِيَّةِ، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى الْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ الْمُرَادُ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَانْتِصَابُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ الْخِلَافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَفْعَالِ كَالْخِلَافِ فِي لِتُؤْمِنُوا كما سلف، ومعنى تعزّروه: تعظّموه وتفخّموه قال الحسن والكلبي، والعزيز: التَّعْظِيمُ وَالتَّوْقِيرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَنْصُرُوهُ وَتَمْنَعُوا مِنْهُ. وقال عكرمة: تقاتلون مَعَهُ بِالسَّيْفِ، وَمَعْنَى تُوَقِّرُوهُ: تُعَظِّمُوهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تسوّدوه، وقيل: وَالضَّمِيرَانِ فِي الْفِعْلَيْنِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَا وَقْفٌ تَامٌّ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ وَتُسَبِّحُوهُ، أَيْ: تُسَبِّحُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أَيْ: غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَقِيلَ: الضَّمَائِرُ كُلُّهَا فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَكُونُ مَعْنَى تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ: تُثْبِتُونَ لَهُ التَّوْحِيدَ وَتَنْفُونَ عَنْهُ الشُّرَكَاءَ، وَقِيلَ: تَنْصُرُوا دِينَهُ وَتُجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ. وفي التسبيح وجهان، أحد هما التَّنْزِيهُ لَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كُلِّ قَبِيحٍ، وَالثَّانِي الصَّلَاةُ إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يَعْنِي بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُمْ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى قِتَالِ قُرَيْشٍ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هذه البيعة لرسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ هِيَ بَيْعَةٌ لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute