وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا: فَأَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، حَتَّى نَزَلَتِ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَلَا تَنْكِحْهَا» وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْآيَةِ قَالَ: كُنَّ نِسَاءً مَعْلُومَاتٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ مِنْهُنَّ لِتُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَغَايَا مُعْلِنَاتٍ كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكُنَّ زَوَانِيَ مُشْرِكَاتٍ، فَحَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتْبَعُ امْرَأَةً فَأَصَبْتُ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ، وَقَدْ رَزَقَنِي اللَّهُ مِنْهَا تَوْبَةً فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ النَّاسُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ هَذِهِ الْآيَةِ، إِنَّمَا كُنَّ نِسَاءً بَغَايًا مُتَعَالِنَاتٍ يَجْعَلْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ يَأْتِيهِنَّ النَّاسُ يُعْرَفْنَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، تَزَوَّجْهَا فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ إِثْمٍ فَعَلَيَّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ إِنَّهُ زَنَى فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فجاؤوا بِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وقال: لا تتزوّج إلا مجلودة مثلك.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤ الى ١٠]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨)
وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)
قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ اسْتَعَارَ الرَّمْيَ لِلشَّتْمِ بِفَاحِشَةِ الزِّنَا لِكَوْنِهِ جِنَايَةً بِالْقَوْلِ كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ الْيَدِ وَقَالَ آخَرُ:
رَمَانِي بأسر كنت منه ووالدي ... بريئا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوَى رَمَانِي
وَيُسَمَّى هَذَا الشَّتْمُ بِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْخَاصَّةِ: قَذْفًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ: النِّسَاءُ، وَخَصَّهُنَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ قَذْفَهُنَّ أَشْنَعُ وَالْعَارَ فِيهِنَّ أَعْظَمُ، وَيَلْحَقُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ جَمَعْنَا فِي ذَلِكَ رِسَالَةً رَدَدْنَا بِهَا عَلَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ لَمَّا نَازَعَ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْأَنْفُسُ الْمُحْصَنَاتُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute