للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ قَالَ: مِنْ عُسْرِكُمْ وَيُسْرِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ: الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ شِدَّةٌ، فَنَزَلَتْ: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ قَالَ: «عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ» ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْ كِسْوَتُهُمْ مَا هُوَ؟ قَالَ: «عَبَاءَةٌ عَبَاءَةٌ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَبَاءَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ شَمْلَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْكُسْوَةُ ثَوْبٌ أَوْ إِزَارٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ بِالْخِيَارِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عنه نحوه.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)

قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمَيْسِرِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْأَنْصابُ هِيَ الْأَصْنَامُ الْمَنْصُوبَةُ لِلْعِبَادَةِ وَالْأَزْلامُ. قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَالرِّجْسُ يُطْلَقُ عَلَى الْعُذْرَةِ وَالْأَقْذَارِ. وَهُوَ خَبَرٌ لِلْخَمْرِ، وَخَبَرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ صِفَةٌ لِرِجْسٍ: أَيْ كَائِنٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِسَبَبِ تَحْسِينِهِ لِذَلِكَ وَتَزْيِينِهِ لَهُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي كَانَ عَمِلَ هَذِهِ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ فَاقْتَدَى بِهِ بَنُو آدَمَ وَالضَّمِيرُ فِي فَاجْتَنِبُوهُ رَاجِعٌ إِلَى الرِّجْسِ، أَوْ إِلَى الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: أُكِّدَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وُجُوهًا مِنَ التَّأْكِيدِ، مِنْهَا: تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّمَا، وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَرْنَهُمَا بِعِبَادَةِ الأصنام ومنه قوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ» وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا رِجْسًا، كَمَا قَالَ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «١» ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ لَا يَأْتِي مِنْهُ إِلَّا الشَّرُّ الْبَحْتُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَمْرٌ بِالِاجْتِنَابِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ جَعَلَ الِاجْتِنَابَ مِنَ الْفَلَاحِ، وَإِذَا كَانَ الِاجْتِنَابُ فَلَاحًا كَانَ الِارْتِكَابُ خَيْبَةً وَمُحْقَةً، وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَنْتُجُ مِنْهُمَا مِنَ الْوَبَالِ، وَهُوَ وُقُوعُ التَّعَادِي وَالتَّبَاغُضِ بَيْنَ أَصْحَابِ الْخَمْرِ وَالْقَمْرِ، وَمَا يُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ مُرَاعَاةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، انْتَهَى.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ مِنَ الْوُجُوبِ وَتَحْرِيمِ الصَّدِّ، وَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ تَحْرِيمِ قُرْبَانِ الرِّجْسِ فَضْلًا عَنْ جَعْلِهِ شَرَابًا يُشْرَبُ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ من المفسرين وغيرهم:


(١) . الحج: ٣٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>