للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشِيَاهِهِمَا فَسَأَلَهُمَا مَا خَطْبُكُما قالَتا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ قَالَ: فَهَلْ قُرْبَكُمَا مَاءٌ؟ قَالَتَا: لَا، إِلَّا بِئْرٌ عَلَيْهَا صَخْرَةٌ قَدْ غُطِّيَتْ بِهَا لَا يُطِيقُهَا نفر، قال فانطلقا فَأَرِيَانِيهَا، فَانْطَلَقَتَا مَعَهُ، فَقَالَ بِالصَّخْرَةِ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا، ثم استقى لهم سَجْلًا وَاحِدًا فَسَقَى الْغَنَمَ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّخْرَةَ إِلَى مَكَانِهَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَسَمِعَتَا، قَالَ: فَرَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا فَاسْتَنْكَرَ سُرْعَةَ مَجِيئِهِمَا، فَسَأَلَهُمَا فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا: انْطَلِقِي فادعيه فأتت، ف قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا امْشِي خَلْفِي، فَإِنِّي امْرُؤٌ مِنْ عُنْصُرِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَرَى مِنْكِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ، وَأَرْشِدِينِي الطَّرِيقَ فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ: لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قالَتْ إِحْداهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ لَهَا أَبُوهَا:

مَا رَأَيْتِ مِنْ قُوَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِالْأَمْرِ الَّذِي كَانَ، قَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ فَإِنَّهُ قَلَبَ الْحَجَرَ وَحْدَهُ، وَكَانَ لَا يَقْلِبُهُ إِلَّا النَّفَرُ. وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَقَالَ امْشِي خَلْفِي وَأَرْشِدِينِي الطَّرِيقَ لِأَنِّي امْرُؤٌ مِنْ عُنْصُرِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَحِلُّ لِي مِنْكِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَيُّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنْ مُوسَى لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَعَادُوا الصَّخْرَةَ عَلَى الْبِئْرِ وَلَا يُطِيقُ رَفْعَهَا إِلَّا عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتَيْنِ، قَالَ: مَا خَطْبُكُمَا؟ فَحَدَّثَتَاهُ، فَأَتَى الْحَجَرَ، فَرَفَعَهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ اسْتَقَى، فَلَمْ يَسْتَقِ إِلَّا ذَنُوبًا وَاحِدًا حَتَّى رُوِيَتِ الْغَنَمُ، فَرَجَعَتِ الْمَرْأَتَانِ إِلَى أَبِيهِمَا فَحَدَّثَتَاهُ، وَتَوَلَّى مُوسَى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ:

رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. فقال: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ مِنَ النِّسَاءِ خَرَّاجَةً وَلَّاجَةً «١» قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَقَامَ مَعَهَا مُوسَى، فَقَالَ لَهَا: امْشِي خَلْفِي وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرِّيحُ ثِيَابَكِ، فَتَصِفُ لِي جَسَدَكِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَبِيهَا قَصَّ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، قَالَ: يَا بُنَيَّةُ مَا عِلْمُكِ بِأَمَانَتِهِ وَقُوَّتِهِ؟ قَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ فَرَفْعُهُ الْحَجَرَ وَلَا يُطِيقُهُ إِلَّا عَشَرَةُ رِجَالٍ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَقَالَ امْشِي خَلْفِي وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُصِيبَ الرِّيحُ ثِيَابَكِ فَتَصِفُ لِي جَسَدَكِ، فزاده ذلك رغبة فيه، ف قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أَيْ: فِي حُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْوَفَاءِ بِمَا قُلْتُ قالَ مُوسَى ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ فَزَوَّجَهُ وَأَقَامَ مَعَهُ يَكْفِيهِ وَيَعْمَلُ فِي رِعَايَةِ غَنَمِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَزَوَّجَهُ صُفُورَا وَأُخْتُهَا شَرْفَا، وَهُمَا اللَّتَانِ كَانَتَا تَذُودَانِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ لِطُرُقٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: إن إسناده صحيح. السلفع مِنَ النِّسَاءِ الْجَرِيئَةُ السَّلِيطَةُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ قَالَ: وَرَدَ الْمَاءَ حَيْثُ وَرَدَ وَإِنَّهُ لَتَتَرَاءَى خُضْرَةُ الْبَقْلِ فِي بَطْنِهِ مِنَ الْهُزَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ إِلَى مَدْيَنَ


(١) . المقصود: أنها ليست جريئة على الرجال، وأنها من اللواتي يقرن في بيوتهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>