يغرق، وكانت نجاة عبرة لَمْ تَكُنْ نَجَاةَ عَافِيَةٍ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْبَحْرِ أَنِ الْفِظْ مَا فِيكَ، فَلَفَظَهُمْ عَلَى السَّاحِلِ، وَكَانَ الْبَحْرُ لَا يَلْفِظُ غَرِيقًا فِي بَطْنِهِ حَتَّى يَأْكُلَهُ السَّمَكُ، فَلَيْسَ يَقْبَلُ الْبَحْرُ غَرِيقًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ فَقَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ! لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ «١» الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ» وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا آمَنَ جَعَلْتُ أَحْشُو فَاهُ حَمَأَةً وَأَنَا أَغُطُّهُ خَشْيَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أَيْضًا، وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِفَنِّ الرِّوَايَةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَلَا يَكَادُ يُمَيِّزُ بَيْنَ أَصَحِّ الصَّحِيحِ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَكْذَبِ الْكَذِبِ مِنْهُ، كَيْفَ يَتَجَارَى عَلَى الْكَلَامِ فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم والحكم بِبُطْلَانِ مَا صَحَّ مِنْهَا، وَيُرْسِلُ لِسَانَهُ وَقَلَمَهُ بِالْجَهْلِ الْبَحْتِ، وَالْقُصُورِ الْفَاضِحِ الَّذِي يَضْحَكُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ لِفَنِّ الْحَدِيثِ، فيا مسكين مالك وَلِهَذَا الشَّأْنِ الَّذِي لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ؟ أَلَا تَسْتُرُ نَفْسَكَ وَتَرْبَعُ عَلَى ضِلَعِكَ، وَتَعْرِفُ بِأَنَّكَ بِهَذَا الْعِلْمِ مِنْ أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ، وَتَشْتَغِلُ بِمَا هُوَ عِلْمُكَ الَّذِي لَا تُجَاوِزُهُ، وَحَاصِلُكَ الَّذِي لَيْسَ لَكَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عِلْمُ اللُّغَةِ وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْعُلُومِ الْآلِيَّةِ، وَلَقَدْ صَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِسَبَبِ مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مِنْهُ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ سُخْرَةً لِلسَّاخِرِينَ وَعِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ، فَتَارَةً يَرْوِي فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعَاتِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهَا مَوْضُوعَاتٌ، وَتَارَةً يَتَعَرَّضُ لِرَدِّ مَا صَحَّ، وَيَجْزِمُ بِأَنَّهُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَالْبُهْتِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَلْتَحِقُ بِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ كُلُّهَا أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ حُجَجٌ، وَأَدْنَى نَصِيبٍ مِنْ عَقْلٍ يَحْجُرُ صَاحِبَهُ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي عِلْمٍ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَدْرِي بِهِ أَقَلَّ دِرَايَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ مِنْ عُلُومِ الِاصْطِلَاحِ الَّتِي يَتَوَاضَعُ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَيَصْطَلِحُونَ عَلَى أُمُورٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَمَا بَالُكَ بِعِلْمِ السُّنَّةِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ كِتَابِ اللَّهِ، وَقَائِلُهُ رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَرَاوِيهِ عَنْهُ خَيْرُ الْقُرُونِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَكُلُّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ وَكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِهِ يَثْبُتُ بِهَا شَرْعٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ قَالَ: أَنْجَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ من البحر فنظروا إليه بعد ما غَرِقَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بِجَسَدِكَ، قَالَ: كَذَّبَ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَوْتِ فِرْعَوْنَ، فَأُلْقِيَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ حَتَّى يَرَاهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ ثَوْرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ
(١) . قال في القاموس: الحال: الطين الأسود.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute