الْجُمْهُورُ خَاتِمَ بِكَسْرِ التَّاءِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِفَتْحِهَا- وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ خَتَمَهُمْ، أَيْ: جَاءَ آخِرَهُمْ.
وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ صَارَ كَالْخَاتَمِ لَهُمُ الَّذِي يَتَخَتَّمُونَ بِهِ وَيَتَزَيَّنُونَ بِكَوْنِهِ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: كَسْرُ التَّاءِ وَفَتْحُهَا لُغَتَانِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْوَجْهُ الْكَسْرُ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ أَنَّهُ خَتَمَهُمْ فَهُوَ خَاتِمُهُمْ، وَأَنَّهُ قَالَ «أَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ» وَخَاتِمُ الشَّيْءِ: آخِرُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: خَاتِمُهُ الْمِسْكُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخَاتَمُ هُوَ الَّذِي خُتِمَ بِهِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً قَدْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَعْلُومَاتِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو زَيْنَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، فَنَزَلَتْ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ» . قَالَ أَنَسٌ: فَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَتَزَوَّجَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أو لم على امرأة من نسائه ما أو لم عَلَيْهَا، ذَبَحَ شَاةً فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِيَ اللَّهُ مِنْ فوق سبع سموات. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» فَانْطَلَقَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَبْشِرِي أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا حِينَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا عَلَيْهَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ، فَخَرَجَ النَّاسُ وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّعَامِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أُخْبِرَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ، فَأَلْقَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَنَزَلَ الْحِجَابُ، وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية» . وأخرج سعيد بن حميد، والترمذي، وصححه ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يَعْنِي بِالْعِتْقِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا قَالُوا تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَبِثَ حَتَّى صَارَ رَجُلًا، يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ يَعْنِي أَعْدَلَ عِنْدَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ قَالَ: يَعْنِي يَتَزَوَّجُ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ هَذَا فَرِيضَةٌ، وَكَانَ مَنْ قَبْلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ هَذَا سُنَّتُهُمْ، قَدْ كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ أَلْفُ امْرَأَةٍ، وَكَانَ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ قال داود: والمرأة التي نكحها واسمها اليسعية، فَذَلِكَ سُنَّةٌ فِي مُحَمَّدٍ وَزَيْنَبَ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً كَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهِ فِي دَاوُدَ وَالْمَرْأَةِ، وَالنَّبِيِّ وَزَيْنَبَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute