وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالشِّينِ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ أَيِ: الْمُتَخَلِّفُونَ عن غزوة تبوك حال كونهم قَائِلِينَ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ أَيْ: لَوْ قَدَرْنَا عَلَى الْخُرُوجِ وَوَجَدْنَا مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لَخَرَجْنا مَعَكُمْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ سَادَّةٌ مَسَدَّ جَوَابِ الْقَسَمِ وَالشَّرْطِ. قَوْلُهُ:
يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: سَيَحْلِفُونَ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ، أَوْ يَكُونُ حَالًا: أَيْ مُهْلِكِينَ أَنْفُسَهُمْ، مُوقِعِينَ لَهَا مَوْقِعَ الْهَلَاكِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فِي حَلِفِهِمُ الَّذِي سَيَحْلِفُونَ بِهِ لَكُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ في قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَحِينَ أَمَرَهُمْ بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْفِ، وَحِينَ خَرَفَتِ النَّخْلُ، وَطَابَتِ الثِّمَارُ، وَاشْتَهَوُا الظِّلَالَ، وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَنْفَرَ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمْسَكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ، فَكَانَ ذَلِكَ عَذَابَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَقَدْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ أُنَاسٌ فِي الْبَدْوِ يُفَقِّهُونَ قَوْمَهُمْ، فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ بَقِيَ نَاسٌ فِي الْبَوَادِي، وَقَالُوا هَلَكَ أَصْحَابُ الْبَوَادِي، فَنَزَلَتْ: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّحَّاسُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِلَّا تَنْفِرُوا الْآيَةَ قَالَ:
نَسَخَتْهَا وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ قَالَ: ذَكَرَ مَا كَانَ مِنْ أَوَّلِ شَأْنِهِ حِينَ بُعِثَ، يَقُولُ: فَأَنَا فَاعِلٌ ذَلِكَ بِهِ، وَنَاصِرُهُ كَمَا نَصَرْتُهُ إِذْ ذَاكَ وَهُوَ ثَانِي اثْنَيْنِ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَعُرْوَةَ: أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ يَأْمُرُونَهُمْ ويجعلون لهم الجعل الْعَظِيمَ، وَأَتَوْا عَلَى ثَوْرٍ: الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ، وَالَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى طَلَعُوا فَوْقَهُ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ أَصْوَاتَهُمْ، فَأَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ وَالْخَوْفُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ مِنَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَفَعَ قَدَمَهُ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ:
يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِذْ هُما فِي الْغارِ قَالَ: هُوَ الْغَارُ الَّذِي فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُسَمَّى ثَوْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قَالَ:
عَلَى أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ السَّكِينَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم وأبو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute