عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ شَيْخٌ: بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ بَعْلِي بَدَلًا مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ قِيلَ:
كَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ: ابْنَ مِائَةٍ، وَهَذِهِ الْمُبَشَّرَةُ هِيَ: سَارَةُ امْرَأَةُ إِبْرَاهِيمَ. وَقَدْ كَانَ وُلِدَ لِإِبْرَاهِيمَ مِنْ هَاجَرَ أَمَتِهِ إِسْمَاعِيلُ، فَتَمَنَّتْ سَارَةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْنٌ وَأَيِسَتْ مِنْهُ لِكِبَرِ سِنِّهَا، فَبَشَّرَهَا اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ مَلَائِكَتِهِ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ أَيْ: مَا ذَكَرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ مِنَ التَّبْشِيرِ بِحُصُولِ الْوَلَدِ- مَعَ كَوْنِهَا فِي هَذِهِ السِّنِّ الْعَالِيَةِ الَّتِي لَا يُولَدُ لِمِثْلِهَا- شَيْءٌ يُقْضَى مِنْهُ الْعَجَبُ، وَجُمْلَةُ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِيهَا لِلْإِنْكَارِ، أَيْ: كَيْفَ تَعْجَبِينَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِ مَا تَعَجَّبَتْ مِنْهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهَا أَنَّ هَذَا من مقدوراته سبحانه، ولهذا قالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ أَيْ:
الرَّحْمَةُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَالْبَرَكَاتُ وَهِيَ النُّمُوُّ والزيادة وقيل الرَّحْمَةُ: النُّبُوَّةُ، وَالْبَرَكَاتُ: الْأَسْبَاطُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَانْتِصَابُ: أَهْلَ الْبَيْتِ، عَلَى الْمَدْحِ أَوِ الِاخْتِصَاصِ، وَصَرْفُ الْخِطَابِ مِنْ صِيغَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى الْجَمْعِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ إِنَّهُ حَمِيدٌ أَيْ: يَفْعَلُ مُوجِبَاتِ حَمْدِهِ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى سَبِيلِ الْكَثْرَةِ مَجِيدٌ كَثِيرُ الْإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِهِ بِمَا يَفِيضُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَالْجُمْلَةُ تعليل لقوله: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ. قَوْلُهُ: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ أَيْ: الْخِيفَةُ الَّتِي أَوْجَسَهَا فِي نَفْسِهِ، يُقَالُ ارْتَاعَ مِنْ كَذَا: إِذَا خَافَ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
فَارْتَاعَ مِنْ صَوْتِ كَلَّابٍ فَبَاتَ لَهُ ... طَوْعَ الشَّوَامِتِ مِنْ خوف ومن صرد
وَجاءَتْهُ الْبُشْرى أَيْ: بِالْوَلَدِ، أَوْ بِقَوْلِهِمْ: لَا تَخَفْ. قَوْلُهُ: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ: إِنَّ يُجَادِلُنَا فِي مَوْضِعِ جَادَلَنَا، فَيَكُونُ هُوَ جَوَابُ: لَمَّا، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ جَوَابَهَا يَكُونُ بِالْمَاضِي لَا بِالْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ النَّحَّاسُ: جُعِلَ الْمُسْتَقْبَلُ مَكَانَهُ كَمَا يُجْعَلُ الْمَاضِي مَكَانَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي الشَّرْطِ وَقِيلَ: إِنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ، وَيُجَادِلُنَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَتَقْدِيرُهُ: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى اجْتَرَأَ عَلَى خِطَابِنَا حَالَ كَوْنِهِ يُجَادِلُنَا، أَيْ: يُجَادِلُ رُسُلَنَا وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: أَخَذَ يُجَادِلُنَا، وَمُجَادَلَتُهُ لَهُمْ قِيلَ:
إِنَّهُ لَمَّا سمع قولهم: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَرْبَعُونَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَعِشْرُونَ؟ قَالُوا: لَا، ثُمَّ قَالَ: فَعَشَرَةٌ، فَخَمْسَةٌ؟ قَالُوا لَا. قَالَ: فَوَاحِدٌ؟ قَالُوا: لَا، قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ الْآيَةَ، فَهَذَا مَعْنَى مُجَادَلَتِهِ فِي قَوْمِ لُوطٍ: أَيْ: فِي شَأْنِهِمْ وَأَمْرِهِمْ. ثُمَّ أَثْنَوْا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، أَوْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَيْ لَيْسَ بِعَجُولٍ فِي الْأُمُورِ، وَلَا بِمُوقِعٍ لَهَا عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي. وَالْأَوَّاهُ: كَثِيرُ التَّأَوُّهِ، وَالْمُنِيبُ: الرَّاجِعُ إِلَى اللَّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَرَاءَةَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَوَّاهِ. قوله: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا هَذَا قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ، أَيْ: أَعْرَضْ عَنْ هَذَا الْجِدَالِ فِي أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَجَفَّ بِهِ الْقَلَمُ، وَحَقَّ بِهِ الْقَضَاءُ إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ، وَمَعْنَى مَجِيءِ أَمْرِ اللَّهِ: مَجِيءُ عَذَابِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ عَلَيْهِمْ، وَسَبَقَ بِهِ قَضَاؤُهُ وَإِنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute