للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: قَالُوا ذَلِكَ إِعْرَاضًا عَنْ سَمَاعِهِ وَاحْتِقَارَ الْكَلَامِ مَعَ كَوْنِهِ مَفْهُومًا لَدَيْهِمْ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، فَلَا يَكُونُ نَفْيُ الْفِقْهِ حَقِيقَةً، بَلْ مَجَازًا. يُقَالُ فَقِهَ يَفْقَهُ: إِذَا فَهِمَ، فِقْهًا وَفَقَهًا، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ فُقْهَانًا، وَيُقَالُ فَقُهَ فِقْهًا: إِذَا صَارَ فَقِيهًا وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً أَيْ: لَا قُوَّةَ لَكَ تَقْدِرُ بِهَا عَلَى أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَكَ مِنَّا، وَتَتَمَكَّنَ بِهَا مِنْ مُخَالَفَتِنَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي بَدَنِهِ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مُصَابًا بِبَصَرِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ حِمْيَرَ تَقُولُ لِلْأَعْمَى: ضَعِيفٌ، أَيْ: قَدْ ضَعُفَ بِذَهَابِ بَصَرِهِ، كَمَا يُقَالُ لَهُ:

ضَرِيرٌ، أَيْ: قَدْ ضُرَّ بِذَهَابِ بَصَرِهِ وَقِيلَ: الضَّعِيفُ: الْمَهِينُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ رَهْطُ الرَّجُلِ: عَشِيرَتُهُ الَّذِينَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِمْ وَيَتَقَوَّى بِهِمْ، وَمِنْهُ: الرَّاهِطُ: لِجُحْرِ الْيَرْبُوعِ، لِأَنَّهُ يَتَوَثَّقُ بِهِ وَيُخَبَّأُ فِيهِ وَلَدُهُ، وَالرَّهْطُ يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلُوا رَهْطَهُ مَانِعًا مِنْ إِنْزَالِ الضَّرَرِ بِهِ، مَعَ كَوْنِهِمْ فِي قِلَّةٍ، وَالْكُفَّارُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى دِينِهِمْ، فَتَرَكُوهُ احْتِرَامًا لَهُمْ لَا خَوْفًا مِنْهُمْ، ثُمَّ أَكَّدُوا مَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنَ الضعف بقولهم: وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ حَتَّى نَكُفَّ عَنْكَ لِأَجْلِ عِزَّتِكَ عِنْدَنَا، بَلْ تَرَكْنَا رَجْمَكَ لِعِزَّةِ رَهْطِكَ عَلَيْنَا، وَمَعْنَى لَرَجَمْنَاكَ: لَقَتَلْنَاكَ بِالرَّجْمِ وَكَانُوا إِذَا قَتَلُوا إِنْسَانًا رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى لَرَجَمْنَاكَ: لَشَتَمْنَاكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:

تَرَاجَمْنَا بِمُرِّ الْقَوْلِ حَتَّى ... نَصِيرَ كَأَنَّنَا فَرَسَا رِهَانِ

وَيُطْلَقُ الرَّجْمُ عَلَى اللَّعْنِ، وَمِنْهُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ، وَجُمْلَةُ: قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنِّي، لِأَنَّ نفي العزّة وَإِثْبَاتَهَا لِقَوْمِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِيلَاءُ الضَّمِيرِ حَرْفَ النَّفْيِ، اسْتِهَانَةٌ بِهِ، وَالِاسْتِهَانَةُ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ اسْتِهَانَةٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُمْ أَنَّ رَهْطَهُ أَعَزُّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَأَلْزَمَهُمْ مَا لَا مَخْلَصَ لَهُمْ عَنْهُ، وَلَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهُ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي هَذَا مِنْ قُوَّةِ الْمُحَاجَّةِ وَوُضُوحِ الْمُجَادَلَةِ وَإِلْقَامِ الْخَصْمِ الْحَجَرَ مَا لَا يَخْفَى، وَلِأَمْرٍ مَا سُمِّيَ شُعَيْبٌ: خَطِيبَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالضَّمِيرُ فِي وَاتَّخَذْتُمُوهُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

وَالْمَعْنَى: وَاتَّخَذْتُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِسَبَبِ عَدَمِ اعْتِدَادِكُمْ بِنَبِيِّهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا أَيْ: مَنْبُوذًا وَرَاءَ الظَّهْرِ لَا تُبَالُونَ بِهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَاتَّخَذْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَنِي بِإِبْلَاغِهِ إِلَيْكُمْ، وَهُوَ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، يُقَالُ: جَعَلْتُ أَمْرَهُ بِظَهْرٍ: إِذَا قَصَّرْتُ فيه، وظهريا، مَنْسُوبٌ إِلَى الظَّهْرِ، وَالْكَسْرُ لِتَغْيِيرِ النَّسَبِ إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ لَمَّا رَأَى إِصْرَارَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَتَصْمِيمَهُمْ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ، وَعَدَمِ تَأْثِيرِ الْمَوْعِظَةِ فِيهِمْ تَوَعَّدَهُمْ بِأَنْ يَعْمَلُوا عَلَى غَايَةِ تَمَكُّنِهِمْ وَنِهَايَةِ اسْتِطَاعَتِهِمْ، يُقَالُ: مَكُنَ مَكَانَةً: إِذَا تَمَكَّنَ أَبْلَغَ تَمَكُّنٍ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ عَامِلٌ عَلَى حَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ وَيُقَدِّرُ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِقَوْلِهِ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيْ: عَاقِبَةَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَالْإِضْرَارِ بِعِبَادِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَنْعَامِ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ من: في محل نصب بتعلمون، أَيْ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ الَّذِي يَأْتِيهِ الْعَذَابُ الْمُخْزِي الَّذِي يَتَأَثَّرُ عَنْهُ الذُّلُّ وَالْفَضِيحَةُ وَالْعَارُ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى: مَنْ يَأْتِيهِ وَالْمَعْنَى: سَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ الْمُعَذَّبُ وَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>