للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبُثُّهُ، وَمِنْهُ كَظْمُ الْغَيْظِ وَهُوَ إِخْفَاؤُهُ، فَالْمَكْظُومُ الْمَسْدُودُ عَلَيْهِ طَرِيقُ حُزْنِهِ، مِنْ كَظَمَ السِّقَاءَ إِذَا سَدَّهُ عَلَى مَا فِيهِ، وَالْكَظَمُ بِفَتْحِ الظَّاءِ: مَخْرَجُ النَّفَسِ، يُقَالُ: أَخَذَ بِأَكْظَامِهِ. وَقِيلَ: الْكَظِيمُ بِمَعْنَى الْكَاظِمِ، أَيِ:

الْمُشْتَمِلِ عَلَى حُزْنِهِ الْمُمْسِكِ لَهُ، وَمِنْهُ:

فَإِنْ أَكُ كَاظِمًا لِمُصَابِ نَاسٍ «١» ... فَإِنِّي الْيَوْمَ مُنْطَلِقٌ لِسَانِي

وَمِنْهُ: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ «٢» . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى كَظِيمٌ: مَحْزُونٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:

مَعْنَاهُ مَغْمُومٌ مَكْرُوبٌ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْحُزْنُ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ: البكاء، بفتحتين: ضِدُّ الْفَرَحِ.

وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ: هُمَا لغتان بمعنى، قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفتأ، فَحُذِفَ حَرْفُ النَّفْيِ لِعَدَمِ اللَّبْسِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: فَتَأْتُ وَفَتِئْتُ أَفْعَلُ كَذَا، أَيْ: مَا زِلْتُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ لَا مُضْمَرَةٌ، أَيْ:

لَا تَفْتَأُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالَّذِي قَالَ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ مِثْلُ قَوْلِ الْفَرَّاءِ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ مُحْتَجًّا عَلَى مَا قَالَهُ:

فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي «٣»

وَيُقَالُ: فَتِئَ وَفَتَأَ لُغَتَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٤» :

فَمَا فَتِئْتُ حَتَّى كَأَنَّ غُبَارَهَا ... سُرَادِقُ يَوْمٍ ذِي رِيَاحٍ تُرْفَعُ

حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً الْحَرَضُ: مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ، حَرِضٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ كَدَنَفٍ وَدَنِفٍ، وَأَصْلُ الْحَرَضِ: الْفَسَادُ فِي الْجِسْمِ أَوِ الْعَقْلِ مِنَ الْحُزْنِ أَوِ الْعِشْقِ أَوِ الْهَرَمِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ، ومنه قول الشاعر:

سرى همّي فأمرضني ... وقدما زَادَنِي مَرَضَا

كَذَاكَ الْحُبُّ قَبْلَ الْيَوْ ... مِ مِمَّا يُورِثُ الْحَرَضَا

وَقِيلَ: الْحَرَضُ: مَا دُونَ الموت، وقيل: الهرم، وقيل: الحارض: البالي الداثر. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَارِضُ:

الْفَاسِدُ الْجِسْمِ وَالْعَقْلِ، وَكَذَا الْحَرَضُ. وَقَالَ مُؤَرِّجٌ: هُوَ الذَّائِبُ مِنَ الْهَمِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ «٥» :

إِنِّي امْرُؤٌ لَجَّ بِي حُبٌّ فَأَحْرَضَنِي ... حَتَّى بَلِيتُ وَحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ

وَيُقَالُ رَجُلٌ مُحْرَضٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

طَلَبَتْهُ الْخَيْلُ يَوْمًا كَامِلًا ... وَلَوْ أَلْفَتْهُ لَأَضْحَى محرضا


(١) . في تفسير القرطبي (٩/ ٢٤٩) : شاس.
(٢) . آل عمران: ١٣٤.
(٣) . البيت لامرئ القيس. و «الأوصال» : جمع وصل: وهو المفصل.
(٤) . هو أوس بن حجر.
(٥) . هو العرجيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>