للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَنْزِيلِ الْكِتَابِ عَلَى قَلْبِكَ، أَوْ مِنْ تَنْزِيلِ اللَّهِ لَهُ عَلَى قَلْبِكَ، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الرَّبْطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ، أَيْ: مَنْ كَانَ مُعَادِيًا لِجِبْرِيلَ مِنْهُمْ فَلَا وَجْهَ لِمُعَادَاتِهِ لَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إِلَّا مَا يُوجِبُ الْمَحَبَّةَ دُونَ الْعَدَاوَةِ، أَوْ مَنْ كَانَ مُعَادِيًا لَهُ، فَإِنَّ سَبَبَ مُعَادَاتِهِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُونَهُ مِنَ التَّنْزِيلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِذَنْبٍ لَهُ وَإِنْ نَزَّهُوهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مِنْهُمْ لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ، لِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ هُوَ مُصَدِّقٌ لِكِتَابِهِمْ، وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَتْبَعَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْكَلَامَ بِجُمْلَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى شَرْطٍ وَجَزَاءٍ، يَتَضَمَّنُ الذَّمَّ لِمَنْ عَادَى جِبْرِيلَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لَهُ، فَقَالَ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ وَالْعَدَاوَةُ مِنَ الْعَبْدِ: هِيَ صُدُورُ الْمَعَاصِي مِنْهُ لِلَّهِ وَالْبُغْضُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالْعَدَاوَةُ مِنَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ: هِيَ تَعْذِيبُهُ بِذَنَبِهِ وَعَدَمُ التَّجَاوُزِ عَنْهُ وَالْمَغْفِرَةِ لَهُ- وَإِنَّمَا خَصَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ لِقَصْدِ التَّشْرِيفِ لَهُمَا، وَالدَّلَالَةِ عَلَى فَضْلِهِمَا، وَأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَدْ صَارَا بِاعْتِبَارِ مَا لَهُمَا مِنَ الْمَزِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ جِنْسٍ آخَرَ أَشْرَفَ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ، تَنْزِيلًا لِلتَّغَايُرِ الْوَصْفِيِّ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ الذَّاتِيِّ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، وَقَرَّرَهُ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ. وَفِي جِبْرِيلَ عَشْرُ لُغَاتٍ ذَكَرَهَا ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمَنَا الْإِشَارَةَ إِلَى ذَلِكَ. وَفِي مِيكَائِيلَ سِتُّ لُغَاتٍ، وَهُمَا اسْمَانِ عَجَمِيَّانِ، وَالْعَرَبُ إِذَا نَطَقَتْ بِالْعَجَمِيِّ تَسَاهَلَتْ فِيهِ. وَحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ ابْنِ جِنِّيٍّ أَنَّهُ قَالَ: الْعَرَبُ إِذَا نَطَقَتْ بِالْأَعْجَمِيِّ خَلَطَتْ فِيهِ. وَقَوْلُهُ:

لِلْكافِرِينَ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ أَيْ: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لَهُمْ، لِقَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعَدَاوَةَ مُوجِبَةٌ لِكُفْرِ مَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عباس: «حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، فَسَأَلُوهُ وَأَجَابَهُمْ ثُمَّ قَالُوا: فَحَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ، فَقَالَ: وَلِيِّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ سِوَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَاتَّبَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ قَالُوا: هَذَا عَدُّونَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ» . وَأَخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فِي الْمُصَنَّفِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قِصَّةٍ جَرَتْ لَهُ مَعَهُمْ وإسنادهم صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَقَدْ رواها عكرمة وقتادة والسدّي وعبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِمَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ «١» ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا، فَقَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ قَالَ: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُ النَّاسَ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ مَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَأَمَّا مَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أو أمه، فإذا سبق ماء الرجل


(١) . «يخترف» : يجني الثمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>