مِنَ الْقُرُونِ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا وَقِيلَ: يَمْحُو الدُّنْيَا وَيُثْبِتُ الْآخِرَةَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا تُفِيدُهُ مَا فِي قَوْلِهِ مَا يَشاءُ مِنَ الْعُمُومِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ وَمَعَ قَوْلِهِ: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أَيْ: أَصْلُهُ، وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِمَّا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيَكُونُ كَالْعَدَمِ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِمَّا فِيهِ فَيَجْرِي فِيهِ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «جَفَّ الْقَلَمُ» وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَضَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَقِيلَ: إِنَّ أُمَّ الْكِتَابِ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا خَلَقَ وَمَا هُوَ خَالِقٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ قَالَ: أولئك أصحاب محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَرِحُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا بِهِ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي الْآيَةِ، قَالَ: هَؤُلَاءِ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قَالَ: الْأَحْزَابُ الْأُمَمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَيْهِ مَآبِ قَالَ: إِلَيْهِ مَصِيرُ كُلِّ عَبْدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّبَتُّلِ» . وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَبَتَّلَ، قَالَتْ: لَا تَفْعَلْ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً. وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّبَتُّلِ وَالتَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قالت قريش حين أنزل ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ مَا نَرَاكَ يَا مُحَمَّدُ تَمْلِكُ مِنْ شيء، ولقد فرغ من الأمر، فأنزل هَذِهِ الْآيَةُ تَخْوِيفًا لَهُمْ وَوَعِيدًا لَهُمْ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ إِنَّا إِنْ شِئْنَا أَحْدَثْنَا لَهُ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا، وَيُحْدِثُ اللَّهُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مِنْ أَرْزَاقِ النَّاسِ وَمَصَائِبِهِمْ وَمَا يُعْطِيهِمْ وَمَا يَقْسِمُ لَهُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ نَصْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ قَالَ: يَنْزِلُ اللَّهُ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَانَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو، وَالَّذِي يُثْبِتُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ لَهُ خَيْرٌ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَصَحَّحَهُ، عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمَا كِتَابَانِ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أَيْ: جُمْلَةُ الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهُ دَفَّتَانِ مِنْ يَاقُوتٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute