للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ هُنَا الْكَفَرَةُ، وَقِيلَ: كُلُّ مِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي مَوَاقِفِ الْفِتَنِ وَلَا يَهْتَدِي إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنَ التَّثْبِيتِ وَالْخِذْلَانِ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: لَا تُنْكَرُ لَهُ قُدْرَةٌ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَالْإِظْهَارُ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ كَمَا قِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً قَالَ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ أَصْلُها ثابِتٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا إِلَّا اللَّهُ ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ يَقُولُ: يُرْفَعُ بِهَا عَمَلُ الْمُؤْمِنِ إِلَى السَّمَاءِ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ وَهِيَ الشِّرْكُ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ يَعْنِي الْكَافِرَ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ يَقُولُ: الشِّرْكُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَأْخُذُ بِهِ الْكَافِرُ وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلًا. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بقناع] «١» بسر فقال: «ومثل كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» حَتَّى بَلَغَ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ حَتَّى بَلَغَ مَا لَها مِنْ قَرارٍ قَالَ: هِيَ الْحَنْظَلَةُ» . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ: قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا يَنْقُصُ وَرَقُهَا قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ شَجَرَةً مِنَ الشَّجَرِ لَا يَطَّرِحُ وَرَقُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: فَوَقَعَ الناس في شجر الْبَوَادِي، وَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ» وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ: «أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ ورقها ولا، ولا، ولا «٢» ، وتؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ» . وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ؟، ثُمَّ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ» . وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها قَالَ: كُلَّ سَاعَةٍ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَذَلِكَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ يُطِيعُ رَبَّهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَكُونُ أَخْضَرَ ثُمَّ يَكُونُ أَصْفَرَ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: كُلَّ حِينٍ قَالَ: جُذَاذُ النَّخْلِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا:

تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ قَالَ: تُطْعِمُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْحِينُ هُنَا سَنَةٌ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْحِينُ قَدْ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. وقد


(١) . من مسند أبي يعلى (٤١٦٥) والترمذي (٣١١٩) . والقناع: هو الطبق الذي يؤكل عليه.
(٢) . كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء. فقيل في تفسيره: ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها [فتح الباري ١/ ١٤٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>