للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها أَيْ: لُؤْلُؤًا وَمَرْجَانًا كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ:

تَلْبَسُونَها أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَلْبَسُوا اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ أَيْ: يَجْعَلُونَهُ حِلْيَةً لَهُمْ كَمَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا حَاجَةَ لِمَا تَكَلَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: تَلْبَسُونَها بِقَوْلِهِ تَلْبَسُهُ نِسَاؤُهُمْ، لِأَنَّهُنَّ مَنْ جُمْلَتِهِمْ، أَوْ لكونهنّ يلبسها لِأَجْلِهِمْ، وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَ الرِّجَالِ مِنَ التَّحَلِّي بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ مَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ عَلَى صِفَةٍ لَا يَسْتَعْمِلُهُ عَلَيْهَا إِلَّا النِّسَاءُ خَاصَّةً، فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ تَشَبُّهًا بِهِنَّ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِمَنْعِهِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِلْيَةَ لُؤْلُؤٍ أَوْ مَرْجَانٍ وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ أَيْ: تَرَى السُّفُنَ شَوَاقَّ لِلْمَاءِ تَدْفَعُهُ بِصَدْرِهَا. وَمَخْرُ السَّفِينَةِ: شَقُّهَا الْمَاءَ بِصَدْرِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَخَرَ السَّابِحُ: إِذَا شَقَّ الْمَاءَ بِصَدْرِهِ، وَمَخَرَ الْأَرْضَ: شَقَّهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَقِيلَ: مَوَاخِرُ: جِوَارِي، وَقِيلَ: مُعْتَرِضَةٌ، وَقِيلَ: تَذْهَبُ وَتَجِيءُ، وَقِيلَ: مُلَجَّجَةٌ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْمَخْرُ فِي اللُّغَةِ: صَوْتُ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِهِ فِي مَاءٍ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى تَسْتَخْرِجُوا، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، أَوْ عَلَى عِلَّةٍ مَحْذُوفَةٍ تَقْدِيرُهُ لِتَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ وَلِتَبْتَغُوا، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلِ ذَلِكَ لِتَبْتَغُوا، أَيْ: لِتَتَّجِرُوا فِيهِ فَيَحْصُلُ لَكُمُ الرِّبْحُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ: إِذَا وَجَدْتُمْ فَضْلَهُ عَلَيْكُمْ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْكُمُ اعْتَرَفْتُمْ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْكُمْ فَشَكَرْتُمْ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ وَالْأَرْكَانِ. قِيلَ: وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ هَذِهِ النِّعْمَةِ بِالتَّعْقِيبِ بِالشُّكْرِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ فِيهَا قَطْعًا لِمَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ مَعَ أَحْمَالٍ ثَقِيلَةٍ مِنْ غَيْرِ مُزَاوَلَةِ أَسْبَابِ السَّفَرِ، بَلْ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ أَصْلًا مَعَ أَنَّهَا فِي تَضَاعِيفِ الْمَهَالِكِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُضَمَّ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَحْرُ مَنْ كَوْنِ فِيهِ أَطْيَبُ مَأْكُولٍ وَأَنْفَسُ مَلْبُوسٍ وَكَثْرَةُ النِّعَمِ مَعَ نَفَاسَتِهَا وَحُسْنُ مَوْقِعِهَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمُسْتَدْعِيَةِ لِلشُّكْرِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، ثُمَّ أَرْدَفَ هَذِهِ النِّعَمَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّوْحِيدِ الْمُفِيدَةَ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنِعْمَةٍ أُخْرَى وَآيَةٍ كُبْرَى فَقَالَ: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَيْ: جِبَالًا ثَابِتَةً، يُقَالُ: رَسَا يَرْسُو إِذَا ثَبَتَ وَأَقَامَ، قَالَ الشَّاعِرُ «١» :

فَصَبَرَتْ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً ... تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ

أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أَيْ: كَرَاهَةَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ، أَوْ لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ عَلَى مَا قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ.

وَالْمَيْدُ: الِاضْطِرَابُ يَمِينًا وَشِمَالًا، مَادَ الشَّيْءُ يَمِيدُ مَيْدًا تَحَرَّكَ، وَمَادَتِ الْأَغْصَانُ تَمَايَلَتْ، وَمَادَ الرَّجُلُ تَبَخْتَرَ وَأَنْهاراً أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا، لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْجَعْلِ وَالْخَلْقِ كَقَوْلِهِ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي «٢» - وَسُبُلًا أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا سُبُلًا وَأَظْهَرَهَا وَبَيَّنَهَا لِأَجْلِ تَهْتَدُونَ بِهَا فِي أَسْفَارِكُمْ إِلَى مَقَاصِدِكُمْ.

وَالسُّبُلُ: الطُّرُقُ وَعَلاماتٍ أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا عَلَامَاتٍ وَهِيَ مَعَالِمُ الطُّرُقِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِلطُّرُقِ عَلَامَاتٍ يَهْتَدُونَ بِهَا وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الْجِنْسُ، أَيْ: يَهْتَدُونَ بِهِ فِي سَفَرِهِمْ لَيْلًا.

وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَبِالنُّجُمِ بِضَمِّ النُّونِ وَالْجِيمِ، وَمُرَادُهُ النُّجُومُ فَقَصَرَهُ، أَوْ هُوَ جمع نجوم كسقف وَسُقُفٍ وَقِيلَ:

الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ هُنَا الْجَدْيُ وَالْفَرْقَدَانِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَقِيلَ: الثُّرَيَّا، وَقِيلَ: الْعَلَامَاتُ الْجِبَالُ، وقيل: هي النجوم


(١) . هو عنترة العبسي.
(٢) . طه: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>