للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ عَسِيرٍ. وَقَوْلُهُ: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ أَيْ:

لِيُظْهِرَ لَهُمْ، وَهُوَ غَايَةٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ بَلَى مِنَ الْبَعْثِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمُ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ يَمُوتُ، وَالْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ لِيُبَيِّنَ، أَيِ: الْأَمْرُ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيهِ، وَبَيَانُهُ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ كُتُبُ اللَّهِ وَقِيلَ: إِنَّ لِيُبَيِّنَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ:

وَلَقَدْ بَعَثْنا أَيْ: بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا لِيُبَيِّنَ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ فِي جِدَالِهِمْ وَإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ بِقَوْلِهِمْ: لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وَجُمْلَةُ إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْإِبْدَاءِ وَالْإِعَادَةِ بَعْدَ بَيَانِ سُهُولَةِ الْبَعْثِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَهُمْ بِسُهُولَةِ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَتَى أَرَادَ الشَّيْءَ كَانَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «١» ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ «فَيَكُونَ» بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَنْ نَقُولَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى جَوَابِ كُنْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: فَهُوَ يَكُونُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَوْقَعَ لَفْظَ الشَّيْءِ عَلَى الْمَعْلُومِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ وُجِدَ وَشُوهِدَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنْ مَعْنَى «لِشَيْءٍ» لِأَجْلِ شَيْءٍ، فَجَعَلَ اللَّامَ سَبَبِيَّةً وَقِيلَ: هِيَ لَامُ التَّبْلِيغِ، كَمَا فِي قَوْلِكَ: قُلْتُ له قم فقام، وإِنَّما قَوْلُنا مبتدأ وأَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ خَبَرُهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ عَلَى مَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّ وُجُودَهُ عِنْدَ إِرَادَتِهِ كَوُجُودِ الْمَأْمُورِيَّةِ عِنْدَ أَمْرِ الْآمِرِ الْمُطَاعِ إِذَا وَرَدَ عَلَى الْمَأْمُورِ الْمُطِيعِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ وَلَا مَقُولٌ لَهُ، وَلَا أَمْرٌ وَلَا مَأْمُورٌ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَحَدُ مُحَالَيْنِ: إِمَّا خِطَابُ الْمَعْدُومِ، أَوْ تَحْصِيلٌ لِحَاصِلٍ. وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُسْتَوْفًى.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قوله: لْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ

قَالَ: بِالْمَوْتِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ «٢» وهو ملك الموت، وله رسل وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ

وَذَاكُمْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قَالَ: مَنْ يُضِلُّهُ اللَّهُ لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دَيْنٌ، فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ فَكَانَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ: وَالَّذِي أَرْجُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ لِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُ: إِنَّكَ لَتَزْعُمُ أَنَّكَ تُبْعَثُ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ جَهْدَ يَمِينِهِ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْعُقَيْلِيِّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ قَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ «٣» .... وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَبَّنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسُبَّنِي، وَكَذَّبَنِي


(١) . البقرة: ١١٧.
(٢) . الأنفال: ٥٠.
(٣) . كذا في الدر المنثور.

<<  <  ج: ص:  >  >>