للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ: مَكَرُوا بِالسَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ هُوَ مَفْعُولُ أَمِنَ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ مَفْعُولِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَفْعُولَهُ مَحْذُوفٌ، وَأَنَّ السَّيِّئَاتِ صِفَةٌ لِلْمَحْذُوفِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَمَكْرُ السَّيِّئَاتِ: سَعْيُهُمْ فِي إِيذَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيذَاءِ أَصْحَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ، وَاحْتِيَالُهُمْ فِي إِبْطَالِ الْإِسْلَامِ، وَكَيْدِ أَهْلِهِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ كَمَا خَسَفَ بِقَارُونَ، يُقَالُ: خُسِفَ الْمَكَانُ يُخْسَفُ خُسُوفًا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ، وَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ خُسُوفًا، أَيْ: غَابَ بِهِ فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ «١» ، وَخُسِفَ هُوَ فِي الْأَرْضِ وَخُسِفَ بِهِ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ فِي حَالِ غَفْلَتِهِمْ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُرِيدُ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُمْ أُهْلِكُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِمْ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ وُجُوهًا فَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي أَسْفَارِهِمْ وَمَتَاجِرِهِمْ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُهْلِكَهُمْ فِي السَّفَرِ كَمَا يُهْلِكُهُمْ فِي الْحَضَرِ، وَهُمْ لَا يَفُوتُونَهُ بِسَبَبِ ضَرْبِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْأَوْطَانِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي حَالِ تَقَلُّبِهِمْ فِي قَضَاءِ أو طارهم بِوُجُودِ الْحِيَلِ، فَيَحُولُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَقَاصِدِهِمْ وَحِيَلِهِمْ وَقِيلَ: فِي حَالِ تَقَلُّبِهِمْ فِي اللَّيْلِ عَلَى فُرُشِهِمْ، وَقِيلَ: فِي حَالِ إِقْبَالِهِمْ وَإِدْبَارِهِمْ، وَذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْقَلْبُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ «٢» ، وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ:

وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ «٣» . فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَيْ: بِفَائِتِينَ وَلَا مُمْتَنِعِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ أَيْ: حَالَ تَخَوُّفٍ وَتَوَقُّعٍ لِلْبَلَايَا بِأَنْ يَكُونُوا مُتَوَقِّعِينَ لِلْعَذَابِ حَذِرِينَ مِنْهُ غَيْرَ غَافِلِينَ عَنْهُ، فَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَى «عَلَى تَخَوُّفٍ» : عَلَى تَنَقُّصٍ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، أَيْ: عَلَى تَنَقُّصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى تَخَوُّفٍ، قَالَ: تَنَقُّصٍ إِمَّا بِقَتْلٍ أَوْ بِمَوْتٍ، يَعْنِي بِنَقْصٍ مِنْ أَطْرَافِهِمْ وَنَوَاحِيهِمْ يَأْخُذُهُمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَخْذُ عَلَى جَمِيعِهِمْ. قَالَ: وَالتَّخَوُّفُ التَّنَقُّصُ، يُقَالُ: هُوَ يَتَخَوَّفُ الْمَالَ أَيْ: يَتَنَقَّصُهُ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِهِ، انْتَهَى. يُقَالُ: تَخَوَّفَهُ الدَّهْرُ وَتَخَوَّنَهُ بِالْفَاءِ وَالنُّونِ: تَنَقَّصَهُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

لا بل هو الشّوق من دار تخوّنها ... مَرًّا سَحَابٌ وَمَرًّا بَارِحٌ «٤» تَرِبُ

وَقَالَ لَبِيدٌ:

............... ..

تخوّنها نُزُولِي وَارْتِحَالِي «٥»

أَيْ: تَنَقَّصَ لَحْمُهَا وَشَحْمُهَا. قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: التَّخَوُّفُ، بِالْفَاءِ، التَّنَقُّصُ لُغَةً لأزد شنوءة، وأنشد:

تخوّف غدرهم مَالِي وَأُهْدِي ... سَلَاسِلَ فِي الْحُلُوقِ لَهَا صَلِيلُ


(١) . القصص: ٨١.
(٢) . آل عمران: ١٩٦.
(٣) . التوبة: ٤٨. [.....]
(٤) . «البارح» : الريح الحارة في الصيف التي فيها تراب كثير.
(٥) . هذا عجز البيت، وصدره كما في اللسان: عذافرة تقمّص بالرّدافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>