للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ هُوَ غَايَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، أَيِ: افْعَلُوا ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكُمُ الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي شَأْنِهِمْ، بِمَا يَخْتَارُهُ وَيَشَاؤُهُ، وَمَا قَدْ قَضَى بِهِ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، وَهُوَ قَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَإِجْلَاءُ مَنْ أُجْلِيَ، وَضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَى مَنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ، وَإِسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ. وَقَوْلُهُ:

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ حَثٌّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ في الِاشْتِغَالِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَيَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْمَصْلَحَةِ، مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. وَتَقْدِيمِ الْخَيْرِ الَّذِي يُثَابُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَكِّنَ اللَّهُ لَهُمْ، وَيَنْصُرَهُمْ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ووهب ابن زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ! ائْتِنَا بِكِتَابٍ يَنْزِلُ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ نَقْرَؤُهُ، أَوْ فَجِّرْ لَنَا أَنْهَارًا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ سَواءَ السَّبِيلِ وَكَانَ حُيَيُّ بن أخطب (وأبو ياسر بْنُ أَخَطَبَ) «١» مِنْ أَشَدِّ الْيَهُودِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ إِذْ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِرَسُولِهِ، وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدِّ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ مَا اسْتَطَاعَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الْآيَةَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ: سَأَلَتِ الْعَرَبُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِاللَّهِ، فَيَرَوْهُ جَهْرَةً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ أبي الْعَالِيَةِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ:

لَوْ كَانَتْ كَفَّارَاتُنَا كَفَّارَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْرٌ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمُ الْخَطِيئَةَ وَجَدَهَا مَكْتُوبَةً عَلَى بَابِهِ وَكَفَّارَتَهَا، فَإِنْ كَفَّرَهَا كَانَتْ له خزايا فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْهَا كَانَتْ لَهُ خزايا فِي الْآخِرَةِ. وَقَدْ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ

«٢» الْآيَةَ، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَأَلَتْ قُرَيْشٌ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَقَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ لَكُمْ كَالْمَائِدَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنْ كَفَرْتُمْ، فَأَبَوْا وَرَجَعُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ قَالَ: يَتَبَدَّلِ الشِّدَّةَ بِالرَّخَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ قَالَ: عَدَلَ عَنِ السَّبِيلِ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَشَدَّ الْأَذَى، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً «٣» وَقَالَ: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ «٤» الْآيَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى


(١) . ما بين قوسين سقط من المطبوع واستدركناه من الدر المنثور (١/ ٢٦٠) . [.....]
(٢) . النساء: ١١٠.
(٣) . آل عمران: ١٨٦.
(٤) . البقرة: ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>