وَطَهَارَةً مِنَ الذُّنُوبِ وَأَقْرَبَ رُحْماً قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ كَثِيرِ وَابْنُ عَامِرٍ رُحْماً بِضَمِّ الْحَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا، وَمَعْنَى الرحم: الرحمة، يقال: رحمه الله رحمة ورحمي، وَالْأَلِفُ لِلتَّأْنِيثِ وَأَمَّا الْجِدارُ يَعْنِي الَّذِي أَصْلَحَهُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ هِيَ الْقَرْيَةُ الْمَذْكُورَةُ سَابِقًا، وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْقَرْيَةِ لُغَةً وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قِيلَ: كَانَ مَالًا جَسِيمًا كَمَا يُفِيدُهُ اسْمُ الْكَنْزِ، إِذْ هُوَ الْمَالُ الْمَجْمُوعُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْكَنْزَ إِذَا أُفْرِدَ فَمَعْنَاهُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا قِيلَ: كَنْزُ عِلْمٍ وَكَنْزُ فَهْمٍ وَقِيلَ: لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ وَقِيلَ: صُحُفٌ مَكْتُوبَةٌ وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَكَانَ صَلَاحُهُ مُقْتَضِيًا لِرِعَايَةِ وَلَدَيْهِ وَحِفْظِ مَالِهِمَا، قِيلَ: هُوَ الَّذِي دَفَنَهُ، وَقِيلَ هُوَ الْأَبُ السَّابِعُ مِنْ عِنْدِ الدَّافِنِ لَهُ، وَقِيلَ الْعَاشِرُ فَأَرادَ رَبُّكَ أَيْ: مَالِكُكَ وَمُدَبِّرُ أَمْرِكَ، وَأَضَافَ الرَّبَّ إِلَى ضَمِيرِ مُوسَى تَشْرِيفًا لَهُ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما أَيْ: كَمَالَهُمَا وَتَمَامَ نُمُوِّهِمَا وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجِدَارُ، وَلَوِ انْقَضَّ لَخَرَجَ الْكَنْزُ مِنْ تَحْتِهِ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لَهُمَا، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ:
مَرْحُومَيْنِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أَيْ: عَنِ اجْتِهَادِي وَرَأْيِي، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَقَدْ عَلِمَ بِقَوْلِهِ: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الْخَضِرُ عَنْ أَمْرِ نَفْسِهِ ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً
أَيْ: ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنْ تلك البيانات الَّتِي بَيَّنْتُهَا لَكَ وَأَوْضَحْتُ وُجُوهَهَا تَأْوِيلُ مَا ضَاقَ صَبْرُكَ عَنْهُ وَلَمْ تُطِقِ السُّكُوتَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى التَّأْوِيلِ هُنَا هُوَ الْمَآلُ الَّذِي آلَتْ إِلَيْهِ تِلْكَ الْأُمُورُ، وَهُوَ اتِّضَاحُ مَا كَانَ مُشْتَبِهًا عَلَى مُوسَى وَظُهُورِ وَجْهِهِ، وَحُذِفَ التَّاءُ مِنْ تَسْطِعْ تَخْفِيفًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً يَقُولُ: نُكْرًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: إِمْراً فقال: عَجَبًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: لَا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ قَالَ: لَمْ يَنْسَ، وَلَكِنَّهَا مَنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كَانَ الْخَضِرُ عَبْدًا لَا تَرَاهُ الْأَعْيُنُ، إِلَّا مَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَرَهُ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا مُوسَى، وَلَوْ رَآهُ الْقَوْمُ لَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَرْقِ السَّفِينَةِ وَبَيْنَ قَتْلِ الْغُلَامِ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنَدُهُ إِلَّا قَوْلَهُ:
وَلَوْ رَآهُ الْقَوْمُ إِلَخْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ لِمَا ذَكَرَهُ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ أَهْلُ السَّفِينَةِ وَأَهْلُ الْغُلَامِ، لَا لِكَوْنِهِ لَا تَرَاهُ الْأَعْيُنُ، بَلْ لِكَوْنِهِ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِهِمْ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَيُمْكِنُ أَنَّ أَهَلَ السَّفِينَةِ وَأَهْلَ الْغُلَامِ قَدْ عَرَفُوهُ وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ كَمَا يَفْعَلُ الْأَنْبِيَاءُ، فَسَلَّمُوا لِأَمْرِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: نَفْساً زَكِيَّةً قَالَ: مُسْلِمَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمْ تَبْلُغِ الْخَطَايَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: شَيْئاً نُكْراً قَالَ:
النُّكْرُ: أَنْكَرُ مِنَ الْعَجَبِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنْ كُنْتَ الْخَضِرَ تَعْرِفُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ فَاقْتُلْهُمْ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute