للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمزة وابن محيصن واليزيدي ويحيى بن المبارك «١» بِالرَّفْعِ فِي الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِلْوَلِيِّ وَلَيْسَا بِجَوَابٍ لِلدُّعَاءِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا جَوَابٌ لِلدُّعَاءِ. وَرَجَّحَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ: هِيَ أَصْوَبُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ طَلَبَ وَلِيًّا هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَالَ: هَبْ لِي الَّذِي يَكُونُ وَارِثِي. وَرَجَّحَ ذَلِكَ النَّحَّاسُ وَقَالَ: لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْمُجَازَاةِ، تَقُولُ: أَطِعِ اللَّهَ يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، أَيْ: إِنْ تُطِعْهُ يُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، وَكَيْفَ يُخْبِرُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِهَذَا، أَعْنِي كَوْنَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلِيًّا يَرِثُهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَالْوِرَاثَةُ هُنَا هِيَ وِرَاثَةُ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ عَلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَلَفَ. وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ يَعْقُوبَ الْمَذْكُورَ هُنَا هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ يَعْقُوبُ بن ماهان أخو عمران بن ماهان، وبه قال الكلبي ومقاتل، وآل يَعْقُوبَ هُمْ خَاصَّتُهُ الَّذِينَ يَؤُولُ أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ لِلْقَرَابَةِ أَوِ الصُّحْبَةِ أَوِ الْمُوَافَقَةِ فِي الدِّينِ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَنْبِيَاءُ وَمُلُوكٌ، وَقُرِئَ: يَرِثُنِي وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يَرِثُنِي. وَقُرِئَ وَأَرِثُ آلَ يَعْقُوبَ أَيْ: أَنَا. وقرئ أو يرث آل يعقوب بلفظ التخيير على أن المخيّر فاعل وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ فِي غَايَةِ الشُّذُوذِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أَيْ: مَرْضِيًّا فِي أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقِيلَ: رَاضِيًا بِقَضَائِكَ وَقَدَرِكَ، وَقِيلَ: رَجُلًا صَالِحًا تَرْضَى عَنْهُ، وَقِيلَ: نَبِيًّا كَمَا جَعَلْتَ آباءه أنبياء يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى قَالَ جُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ هَذَا النِّدَاءَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَلَائِكَةِ، لقوله في آل عمران: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «٢» ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ: فَاسْتَجَابَ لَهُ دُعَاءَهُ، فقال: يا زكريا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آلِ عِمْرَانَ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بيحيى وزكريا.

قَالَ الزَّجَّاجُ: سُمِّيَ يَحْيَى لِأَنَّهُ حَيِيَ بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي أُوتِيَهَا لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:

مَعْنَاهُ لَمْ نُسَمِّ أَحَدًا قَبْلَهُ يَحْيَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ: مَعْنَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِثْلًا وَلَا نَظِيرًا، فيكون على هذا مأخوذ مِنَ الْمُسَامَاةِ أَوِ السُّمُوِّ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَمْ تَلِدْ عَاقِرٌ مِثْلَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَفِي إِخْبَارِهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ بِهَذَا الِاسْمِ قَبْلَهُ أَحَدٌ فَضِيلَةٌ لَهُ مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى تَسْمِيَتَهُ بِهِ، وَلَمْ يَكِلْهَا إِلَى الْأَبَوَيْنِ. وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِاسْمٍ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِ يُفِيدُ تَشْرِيفَهُ وَتَعْظِيمَهُ قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ أي: كيف أو من أين يكون لِي غُلَامٌ؟ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارَ، بَلِ التَّعَجُّبَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، حَيْثُ يُخْرِجُ وَلَدًا مِنِ امْرَأَةٍ عَاقِرٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي آلِ عِمْرَانَ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا يُقَالُ: عَتَا الشَّيْخُ يَعْتُو عِتِيًّا إِذَا انْتَهَى سِنُّهُ وَكَبُرَ، وَشَيْخٌ عَاتٍ إِذَا صَارَ إلى حال اليبس والجفاف، والأصل عتوّ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ فَأَبْدَلُوهُ يَاءً لِكَوْنِهَا أَخَفَّ، وَمِثْلُ مَا فِي الْآيَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِنَّمَا يُعْذَرُ الْوَلِيدُ وَلَا يُعْ ... ذَرُ مَنْ كَانَ فِي الزَّمَانِ عِتِيَّا

وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَالْأَعْمَشُ عِتِيًّا بِكَسْرِ العين، وقرأ الباقون بضم


(١) . قوله: (واليزيدي ويحيى بن المبارك) ، الصواب: ويحيى بن المبارك اليزيدي.
(٢) . آل عمران: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>